وقد روى هذا الرأى عن ابن عباس ـ رضى الله عنه ـ ولعل السر في ذلك أنك إذا أعرضت عنهم ، وقمت من مجلسهم كان أدل على عدم مشاركتهم فيما يقولون وعلى عدم الرضا عما يفعلون! وهذه بلا شك أدعى للكف عن الخوض والاستهزاء غالبا وإذا خاضوا في غير ذلك الحديث فلا مانع من مجالستهم والتحدث إليهم.
قال القرطبي : «ودل بهذا على أن الرجل إذا علم من الآخر منكرا ، وعرف أنه لا يقبل منه وعظا ولا نصيحة فعليه أن يعرض عنه إعراض منكر ولا يقبل عليه».
وإن أنساك الشيطان قبح مجالستهم والنهى عنها ، ثم تذكرتها فلا تقعد بعدها مع هؤلاء القوم الذين ظلموا أنفسهم بالتكذيب والاستهزاء.
وهنا بحث بسيط :
هل يجوز على النبي صلىاللهعليهوسلم النسيان؟ وإذا جاز فهل في كل شيء أم في شيء خاص؟ والجواب عن الأول يجوز النسيان عليه بغير وسوسة من الشيطان (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ) وقد ثبت وقوعه من آدم (فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) ومن موسى (لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ) وثبت في الصحيحين أن النبي صلىاللهعليهوسلم سها في الصلاة وقال : «إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني».
وإنساء الشيطان للإنسان بعض الشيء ليس من قبيل السلطان عليه والتصرف فيه (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [سورة النحل آية ٩٩].
والجواب عن الثاني : أن الصحيح أن النبي صلىاللهعليهوسلم لا ينسى فيما يبلغه عن ربه (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ* إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) وقيل : يجوز أن ينسى والله ينبهه حتما ، وما على الذين يتقون الله ويتركون غيرهم يخوضون في الباطل ويستهزئون بالقرآن من شيء أبدا ، ولكن إذا تركوهم بعد الموعظة وأعرضوا عنهم فهم يذكرونهم بهذا لعلهم يتقون الله فلا يخوضون في غمرات الشرك مرة ثانية حياء ممن يجالسهم أو كراهة إساءتهم.
وقيل المعنى : ولكن عليهم أن يذكروهم فلعلهم يتقون الله.
يا أيها الرسول : دع الذين اتخذوا دينهم الذي كان يجب أن يتبعوه ، ويهتدوا به اتخذوه لعبا ولهوا ، فإنهم لما عملوا هذه الأعمال التي ختم الله بها على قلوبهم ودس بها