كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً) (١) فيجب عليكم أن تخصوه وحده بالعبادة والتعظيم الحقيقي ، والتقديس والدعاء والإجلال : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) [سورة الإسراء آية ٤٤].
٢ ـ وبالوالدين إحسانا : أى أحسنوا إلى الوالدين إحسانا كاملا ، بإخلاص لله سبحانه ، فما بالكم بالإساءة مهما قلت؟! وأما العقوق فكبيرة من الكبائر ، والقرآن الكريم قرن الأمر بعبادة الله بالإحسان للوالدين ، (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) (٢). (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ) (٣) ولقد روى البخاري ومسلم عن ابن مسعود قال : سألت رسول الله صلىاللهعليهوسلم أى العمل أفضل؟ قال : «الصلاة لوقتها». قلت : ثم أى؟ قال : «بر الوالدين» قلت : ثم أى؟ قال : «الجهاد في سبيل الله». وهذا دليل على عظم العناية بحقوقهما وعلى أن مكانتهما تستحق ذلك ، فهما قد خلقا الجسم في الظاهر ، والله سبحانه هو الخالق حقيقة وفي الواقع ... والمراد بالإحسان إليهما معاملتهما معاملة كريمة ، معاملة مبنية على العطف والمحبة ، لا الخوف والرهبة ، فبرهما سلف لك ودين ، فقد ورد في الحديث «بروا آباءكم تبركم أبناؤكم». وأنت في شبابك قد لا تحتاج إلى الغير. ولكن في كبرك محتاج إلى من يعينك ، ويقوم بأمورك ، ومحبة الوالد لولده غريزة من الغرائز ، فلم يوص عليها الشرع ، ومحبة الولد لوالديه جزاء ومكافأة لهما ، ولذا نبه القرآن عليهما وشدد ، على أن عقوق الوالدين يفسد الأبناء وتكوينهم وينشئهم على الغلظة وعدم الشفقة ، وعلى الوالدين حسن الرعاية والعناية والعطف عليهم ، وعدم التحكم في المسائل الشخصية الخاصة إلا بقدر محدود.
٣ ـ ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم : أليس وأد البنات ، وقتل الذكور سبة وعارا؟ أليس دليلا على الجاهلية والقسوة بل ومنتهى الغلظة؟ التي تخالف غرائز الإنسان وطبائعه؟ ولم تقتلون؟ ألفقر حاصل؟ أم لفقر متوقع؟ أم لعار سيلحق؟ فالله يرزقكم وإياهم ، فلا تخافوا الفقر الحاصل ؛ والله يرزقهم وإياكم ، فلا تخشوا الفقر المتوقع ، وأما العار خوف الفضيحة ، فيرجع إلى البيئة وحسن التنشئة.
٤ ـ ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن : نعم لا تأتوا الفواحش وما عظم جرمه وإثمه ، بل ولا تأخذوا بأسبابه ، ولا تقربوا من مقدماته ، ومن هنا كان النظر إلى
__________________
(١) سورة مريم آية ٩٣.
(٢) سورة الإسراء آية ٢٣.
(٣) سورة لقمان آية ١٤.