بها) ولو كان في معرفتها خير لعرفها لنا ، وانظر كيف يوسع الله على عباده في الحلال وفي الأكل ثم يحرم عليهم القليل الضار ، اختبارا لهم وامتحانا.
فإنكما إن قربتما منها ، وأكلتما من ثمرها تكونا من الظالمين لأنفسكما الخارجين عن حدود الله.
أما الشيطان إبليس العدو المبين فلم يترك آدم وزوجه يتمتعان بالنعيم ، بل وسوس وزين لهما الأكل المحرم من الشجرة.
فوسوس لهما الشيطان ليكون عاقبة تلك أن يبدي لهما ما ورى عنهما وستر من عورتهما ، وهل هذه كناية عن شهوتهما التي ظهرت فجأة بعد استتارها. أو هي العورة الحقيقية؟
فكان عمل إبليس عمل من يثير الغرائز ، ويظهر الدفائن المكنونة في الإنسان من عوامل الفساد.
وقال إبليس : ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين ، لكما من الخصائص ما للملائكة في القوة والبطش وطول الأجل ، أو تكونا من الخالدين فيها.
ثم أقسم لهما قسما مغلظا : إنى لكما لمن الناصحين المخلصين ، ثم بعد هذا ما زال يخدعهما بالترغيب ، وبالوعد ، وبالقسم ، حتى نسيا موقفهما من الله وأمره إليهما ، وأسقطهما عما كانا فيه من مكانة ومنزلة وطبيعة. (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) [سورة طه آية ١١٥].
فلما ذاقا الشجرة ، وأكلا منها ، بدت لهما عوراتهما ، وكانت مستورة ، وأحسا بالغريزة الجنسية.
ونادهما ربهما : ألم أنهكما عن تلكما الشجرة؟ وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين ، فاحذروه ، واجتنبوه : (فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى) [سورة طه آية ١١٧].
قالا : ربنا ظلمنا أنفسنا بمخالفتك وطاعة الشيطان عدونا وعدوك وإن لم تغفر لنا وتستر ذنبنا ، لنكونن من الخاسرين الذين خسروا الدنيا والآخرة : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [سورة البقرة آية ٣٧].