وكان قوله تعالى : الذين كذبوا هم الخاسرون على سبيل الحصر ردّا عليهم في قولهم : (لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ ...) (١) وحقا الكافرون هم الذين خسروا في الدنيا والآخرة دون سواهم.
وأما شعيب فقد تولى عنهم وأعرض قائلا : يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ، وبلغتكم ما فيه صلاحكم في المعاش والمعاد ، ونصحت لكم ، ومن بشر وأنذر فقد أعذر ، ومن أعذر فكيف يحزن على قوم عصوه ولم يؤمنوا؟ وكانوا كافرين!!
وما أرسلنا في قرية من القرى ولا مدينة من المدن ، ما أرسلنا فيها رسولا ثم كذب أهلها وعصوا إلا أخذناهم بالشدة والمكروه وأصابتهم سنين عجاف ، لعلهم بهذا يتضرعون ، ويلتجئون إلى ربهم ؛ وهكذا سنة الله في الخلق ، ولن تجد لسنة الله تبديلا ، يرسل الشدائد لعلها ترجع الإنسان إلى ربه ، وترده عن غيه ، ولكن كثيرا من الناس لا تردعهم الروادع ، فهؤلاء ينطبق عليهم قوله تعالى : (فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٢).
ثم أعطيناهم بدل الشدة سعة ، ومكان الفقر والضيق غنى وفضلا ، حتى عفوا وكثروا في المال والعدد ، فالله ـ سبحانه ـ يريهم الحالتين ويمكن لهم في الجهتين ؛ لعلهم يعتبرون ، ولكن العصاة يقولون : هؤلاء آباؤنا قد مستهم الضراء والسراء ، وحل بهم الضيق والفرج والعسر واليسر. وما نحن إلا مثلهم ، وهذا قول من لم يعتبر ويتعظ بأحداث الزمن ، أليس ما هم فيه ابتلاء واستدراجا؟ ألم يعلموا أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم؟ وهم مع ذلك قد أعرضوا ونأوا ، واستكبروا وبغوا فكان جزاؤهم ما يأتى :
فأخذناهم بغتة وحل بهم العذاب فجأة ، وهم في غيهم سادرون ، وفي عمايتهم لاهون (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ) (٣).
فاعتبروا يا أولى الأبصار ، واتعظوا بما حل بغيركم فتلك سنة الله ولن تجد لسنته تبديلا!!!
__________________
(١) سورة الأعراف آية ٩٠.
(٢) سورة الأنعام آية ٤٣.
(٣) سورة الأنعام آية ٤٤.