(غضب) المراد : ما أمروا به من قتل أنفسهم. (وَذِلَّةٌ) : خروجهم من ديارهم وهوانهم على الناس. (نُسْخَتِها) : ما نسخ وكتب منها. (يَرْهَبُونَ) الرهبة : الخوف الشديد.
المعنى :
داء التقليد يسرى في الأمة كما يسرى في الفرد من حيث لا يشعر ، وبنو إسرائيل عاشوا مع المصريين دهرا طويلا وهم يعبدون الأصنام والأوثان من شمس وغيرها ولذلك كلما سنحت فرصة خاطفة عادوا إلى ما كانوا عليه ، فمرة يقولون : اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ، وقد مضى ذلك. وهنا عند ما فارقهم موسى لمناجاة ربه اتخذوا من حلى القبط التي استعاروها منهم. اتخذوا عجلا ذا جسد ، وله خوار ، اتخذوه إلها لهم ، والذي اتخذه واحد منهم هو السامري ، وإنما نسب إليهم جميعا لأنه عمل برأى جمهورهم ، ولم يحصل منهم إنكار عملي فكأنهم مجمعون عليه.
وقد اختلف المفسرون في ذلك العجل ، هل له لحم ودم وخوار حقيقة؟ أم هو تمثال من ذهب إلا أنه يدخل فيه الهواء فيصوت كالبقر. الرأى الأول لقتادة والحسن البصري وغيره ، وتعليله أن السامري أخذ قبضة من أثر فرس جبريل فنبذها في جوف التمثال فحلت فيه الحياة وأصبح جسدا ذا روح وله خوار ، ويؤيد هذا ظاهر القرآن الكريم. والرأى الثاني أنه تمثال خواره بسبب الريح الذي يدخل فيه بكيفية فنية عملها السامري.
وهاك الرد على من اتخذ العجل إلها : ألم يروا أن هذا الإله لا ينطق ، ولا يكلمهم بواسطة رسول كموسى ، ولا هو يهديهم إلى خير أبدا؟ فهل يعقل أن يكون هذا إلها؟!! والإله الحق هو الله ـ سبحانه وتعالى ـ لو كان البحر مدادا لكلماته لنفد البحر قبل أن تنفد كلماته ، وهو الهادي إلى الخير والرشاد بما ركب من العقول ، وبما أرسل من رسل.
اتخذوه بلا دليل ولا برهان ، بل عن جهل وتقليد وهكذا كانوا ظالمين في كل أعمالهم.
ولما تبين لهم وجه الحق ندموا ندما شديدا ، وازدادت حسرتهم لما فرطوا في جنب الله