وسقط في أيديهم ، وهذا تعبير لم يسمع قبل القرآن ولا عرفته العرب قبل هذا ، وهو كناية عن الندم والحسرة ، وذكرت اليد ، وإن كان الندم في القلب لأن أثره يظهر فيها بعضّها أو بالضرب بها على أختها (فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها) [الكهف ٤٢].
ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا ضلالا بعيدا بعبادة العجل قالوا : لن يسعنا بعد هذا إلا رحمة ربنا ومغفرته ، فقد وسعت كل شيء ، وإن لم يغفر لنا ربنا لنكونن من الخاسرين في الدنيا والآخرة.
هذا ما حصل من موسى بعد رجوعه إثر بيان ما حصل من قومه في غيابه.
ولما رجع موسى إلى قومه بعد غيابه في الطور للمناجاة ، ورجع غضبان شديد الأسف والحزن قال : بئسما فعلتم بعد غيبتي حيث عبدتم العجل واتبعتم السامري ، وتركتم عبادة الله ، فالخطاب للسامري وأشياعه ، ويجوز أن يكون الخطاب للكل ، والمعنى : بئس خلافة خلفتمونيها من بعدي خلافتكم ، فقد كان موسى في خلافته شديد الشكيمة قوى العزيمة ، لقنهم التوحيد الخالص ، وردهم حين طلبوا منه أن يجعل لهم إلها كغيرهم.
أما هارون فقد رأى موسى منه أنه لين العريكة غير حازم في أمره فظن به الظنون.
قال موسى : أعجلتم أمر ربكم؟ قال الزمخشري : المعنى : أعجلتم عن أمر ربكم وهو انتظاري حافظين للعهد ، ولما وصيتكم به فبنيتم الأمر على أن الميعاد قد بلغ آخره عند تمام الثلاثين ليلة ، ولم أرجع إليكم فحدثتم أنفسكم وغيرتم عقائدكم كما غيرت الأمم بعد موت أنبيائها. وكان من أمر موسى أن ألقى الألواح ، وطرحها من يده وأخذ بشعر رأس أخيه يجره إليه ظنا منه أنه قصر في خلافته له ، ولم يكن مثله مع أن حق الخليفة أن يتتبع سيرة سلفه (قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا. أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي؟) [سورة طه الآيتان ٩٢ و ٩٣].
قال هارون : يا ابن أمّ إن القوم استضعفوني ولم يسمعوا لكلامي وهموا بقتلى ، فيا ابن أمّ لا تجعلهم يشمتون بي من كثرة اللوم والتقريع ، ولا تجعلني في عداد الظالمين.
قال موسى : رب اغفر لي ما عساه فرط منى من قول أو فعل فيهما غلظة وجفوة