وقد وقع للمسلمين في بدر أمران يكرهانهما.
أولا : كراهتهم قسمة الغنيمة بينهم بالسوية وهذه الكراهة من شبانهم فقط ؛ إذ هم الذين قاتلوا وغنموا وقتلوا العدو ، وهذا ينشأ من طبع الإنسان.
ثانيا : كراهتهم قتال قريش ، وعذرهم فيها أنهم خرجوا من المدينة ابتداء لقصد الغنيمة ولم يستعدوا لقتال ، والكارهون فريق من المؤمنين لا كلهم.
وقد شبه الله إحدى الحالتين بالأخرى في مطلق الكراهية وأن امتثال أمر النبي في كلّ هو الخير.
روى عن عمر بن الخطاب أنه قال : لما كان يوم بدر ونظر النبي صلىاللهعليهوسلم إلى أصحابه وهم ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا ، ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف أو يزيدون فاستقبل النبي صلىاللهعليهوسلم القبلة ثم مد يده وجعل يهتف بربه : «اللهم أنجز لي ما وعدتني ، اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض» فما زال يهتف بربه مادّا يديه مستقبلا القبلة حتى سقط رداؤه ، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ، ثم التزمه من ورائه وقال : كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك ، فأنزل الله الآية ... وفي رواية فخرج رسول الله وهو يقول (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) [سورة القمر آية ٤٥].
المعنى :
هذه الحال التي حكم الله فيها بأن الأنفال حكمها لله تعالى وتنفيذها لرسول الله صلىاللهعليهوسلم وقد كره شبانهم ذلك ـ هذه الحال تشبه حالهم وقد أخرجك الله من المدينة لقتال النفير من قريش وقد كرهوا ذلك (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِ).
أخرجك ربك من بيتك بالمدينة متلبسا بالحق والحكمة وصواب الرأى والحال أن فريقا بسيطا من المؤمنين لكارهون ذلك لعدم استعدادهم للحرب.
يجادلك المؤمنون في الأمر الحق والرأى السديد وهو تلقى النفير لأنهم آثروا تلقى العير لقلة الرجال وكثرة المال ، يجادلونك بعد ما تبين لهم الحق وظهر الصواب ، حينما أخبرتهم أنهم هم المنصورون ، وأن الله وعدك إحدى الطائفتين ، وقد نجا العير ، فلم يبق إلا النفير ، ولقد جادلوا بأنهم قليلوا العدد والعدد ولم يستعدوا ، وقد كان خروجهم لتلقى العير.