لقد وعدهم إحدى الطائفتين على الإبهام فتعلقت آمالهم بالعير فلما نجت العير ، ولم يبق إلا مقابلة أبى جهل في النفير ، صعب على بعضهم اللقاء وخافوا الحرب وأخذوا يعتذرون ، ولكن الحق تبين ولم يعد للجدال وجه إلا الجبن والخور والخوف من القتال حتى كأنهم لشدة ما هم فيه من الجزع والرهبة يساقون إلى الموت المحقق وهم ينظرون إليه ، إذ الفرق بين القوة شاسع جدا ، ولكن الله وعدهم بالنصر ووعده لا يتخلف : (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) [سورة البقرة آية ٢٤٩] ، والأسباب الظاهرة كثيرا ما تختلف والأمر كله لله.
واذكروا وقت أن وعدكم الله إحدى الطائفتين من العير أو النفير وتودون أن العير لكم فإنه قليل العدد ولا شوكة معه مع كثرة المال.
ويريد الله لكم غير هذا وهو ملاقاة النفير الذي له الشوكة والحول والطول ، وتكون الدائرة على المشركين ، ويحق الله الحق بآياته المنزلة على رسوله في محاربة الكفار ، وبما أمر الملائكة من نزولهم لنصرة المسلمين ، وبما قضى لهم أولا من أسر وقتل وطرح في القليب (بئر بدر) ويريد الله أن يقطع دابر الكافرين ، ويستأصل شأفتهم ويمحو أثرهم.
فبعض المسلمين أراد العاجلة وعرض الدنيا وخاف ما يرزؤه في بدنه ونفسه وماله والله يريد معالى الأمور ، يريد لكم النصر وتقوية الروح وإلقاء الرعب في قلوب الأعداء وكسر شوكتهم بهزيمتهم وهم كثرة وينصركم وأنتم قلة.
ويريد الله هذا ليحق الحق ويثبت دعائم الإسلام ، ويبطل الباطل ويهدم الشرك والكفر والطغيان ، ولو كره المجرمون ، وذلك لا يكون بأخذ العير أبدا وإنما يكون بهزيمة النفير وقتل صناديد الشرك وأسرهم وإذلالهم.
اذكروا يا أمة محمد وقت استغاثتكم ربكم قائلين : أى ربنا انصرنا على عدوك يا غياث المستغيثين أغثنا ، والمراد بالذكر تذكير لهم بالنعم ليشكروا وقد استغاث النبي صلىاللهعليهوسلم كذلك كما روى ، وذلك أنهم لما علموا أنه لا بد من القتال وملاقاة النفير من قريش أخذوا يدعون الله ويستغيثون.
واعلم أن النصر في الحروب إنما يرجع إلى أسباب حسية ومعنوية إن تحققت جاء