المعنى :
وقالت اليهود ـ أى : بعضهم ـ : عزير ابن الله ، وقالت النصارى : المسيح ابن الله ، وقد كان القدماء منهم يقولون به قاصدين معنى التكريم والمحبة ، فهو إطلاق مجازى ، ثم لما سرت الفلسفة الوثنية صاروا يطلقونه إطلاقا حقيقيا على أن المسيح ابن الله وهو الله ، وهم متفقون جميعا على أن الموحد ليس نصرانيا ـ وقد مر شيء من التحقيق في هذا الموضوع في سورة المائدة بالجزء السادس ـ ذلك قولهم الكذب وافتراؤهم المحض بألسنتهم من غير دليل ولا حجة يشبهون به قول الذين كفروا من قبلهم سواء كانوا من العرب أو من آبائهم السابقين ، ألا لعنة الله عليهم أجمعين.
قاتلهم الله كيف يصرفون عن الحق إلى الباطل؟ ويبدلون الحقائق ، ويصرفونها عن غير وجهها الطبيعي : (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) [سورة المائدة آية ٧٥]. وقد بين الله حقيقة مضاهاتهم للمشركين ومشابهتهم لهم بقوله : (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) [التوبة ٣١] ، والمعنى : اتخذوا اليهود والنصارى علماءهم وعبّادهم أربابا من دون الله يحلون ما يحلون ، ويحرمون ما يحرمون. وهذا معنى اتخاذهم أربابا كما ورد في الحديث ، فهم تركوا حكم الله واتبعوا حكم هؤلاء ، واتخذ النصارى المسيح ابن مريم إلها معبودا مع أنه قال : وقال المسيح يا بنى إسرائيل إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار ، وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا سبحانه وتعالى عما يشركون. كما ورد في كتبهم على لسان موسى وعيسى.
وهم يريدون أن يطفئوا نور الله الذي أفاضه على البشر بهدايته إلى الدين الحق والكتاب المحكم والقرآن المنزل على عبده ورسوله محمد صلىاللهعليهوسلم ولكن أنى لهم هذا؟! ويأبى الله إلا أن يتم نوره بتثبيته وحفظه ، والعناية به وإكماله وتمامه في كل شيء ، ولو لم يكره الكافرون ، ولو كره الكافرون.
ولا غرابة في ذلك فهو الذي أرسل رسوله محمدا صلىاللهعليهوسلم بالهدى والدين ، والقرآن المبين ، وأرسله بدين الحق والكمال والجلال ليظهره على الأديان كلها ولو كره المشركون ، وقد صدق الله وعده ، ونصر عبده صلىاللهعليهوسلم.