كان دأب المؤمنين إذا دعوا إلى الجهاد لبوا مسرعين نشطين لأنهم ينتظرون إحدى الحسنيين : إما الشهادة والأجر ، أو الغنيمة والنصر.
ولما دعاهم الرسول صلىاللهعليهوسلم إلى غزوة تبوك تثاقل بعضهم لأسباب رآها ، هذا التثاقل تختلف درجاته تبعا لقوة الإيمان وشدة العذر ، وقد نفرت الأكثرية طائعة وتخلفت قلة عاجزة معذورة. أما المنافقون فقد كبر عليهم الأمر ، وشق عليهم الخطب. كيف يقاتلون في تبوك أكبر دولة في العالم؟! فطفقوا ينتحلون الأعذار ، ويستأذنون في القعود ، والتخلف فيأذن لهم الرسول قبل بيان حالهم والوقوف على أسرارهم.
فكانت هذه الآيات الفاضحة للمنافقين ، الكاشفة عن أخلاقهم وطبائعهم.
وروى أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال للجند بن قيس لما أراد الخروج إلى تبوك : «يا جدّ هل لك في جلاد بنى الأصفر تتخذ منهم سرارى ووصفاء؟» فقال الجد : قد عرف قومي أنى مغرم بالنساء وإنى أخشى إن رأيت بنى الأصفر ألا أصبر عنهن ، فلا تفتني وأذن لي في القعود وأعينك بمالي ، فأعرض عنه الرسول صلىاللهعليهوسلم وقال : قد أذنت لك. فنزلت هذه الآية.
المعنى :
لو كان ما دعوا إليه ـ هؤلاء المنافقون ـ عرضا قريبا ، ومغنما سهل المأخذ قريب المنال ، ولو كان سفرا ذا قصد وسهولة ليس فيه مشقة ولا تعب ، لو كان هذا أو ذاك لاتبعوك وأجابوك إلى طلبك ، ولكن بعدت عليهم الشقة التي دعوا إليها وهي غزوة تبوك ، وكبر عليهم التعرض لقتال الروم في ملكهم وعقر دراهم ، والروم أكبر دولة حينئذ ، نعم كبر عليهم ذلك فتخلفوا جبنا وميلا للراحة والدعة ، وسيحلفون بعد رجوعكم إليهم قائلين : لو استطعنا لخرجنا معكم مجاهدين غازين ، فإننا لم نتخلف إلا لعدم استطاعة الغزو وفقد المال والظهر ، وما علموا أنهم يهلكون أنفسهم باليمين الكاذبة «اليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع» (حديث شريف) ، والله يعلم إنهم لكاذبون ، وسيجازيهم على ذلك كله ..
روى أن ناسا قالوا لبعضهم : استأذنوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فإن أذن لكم فاقعدوا وإن لم يأذن لكم فاقعدوا.