والذي حصل من النبي صلىاللهعليهوسلم أنه أذن لهم لما أقسموا كاذبين : إنهم لا يستطيعون الجهاد ، فجاء قوله تعالى : (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ)؟ .. صريحا في أنه ـ سبحانه وتعالى ـ عفا عنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ وما وقع منه عند إذنه للمتخلفين المنافقين ، فقد ترك الأولى والأفضل ، وكان الأحسن الانتظار والتأنى حتى تنكشف أمورهم وتظهر للعيان ، كأنه قيل : لم سارعت إلى الإذن لهم؟ وهلا انتظرت حتى ينجلي الأمر فإن هذا هو الحزم والحكمة!! على أن الله كره انبعاثهم ، وكان في خروجهم خطر على المسلمين ، وفي تصدير فاتحة الخطاب ببشارة العفو دون ما يوهم العقاب لطف الرب اللطيف بالحبيب المصطفى صلىاللهعليهوسلم وذلك بخلاف مفاداة الأسرى فإن الخطأ فيها كان كثيرا ، وكذا كان التعبير هناك صارما (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى ..) [سورة الأنفال آية ٦٧].
ليس من شأن المؤمنين بالله الذي كتب عليهم الجهاد ، وباليوم الآخر الذي يكون فيه الأجر الكامل على الأعمال ، أن يستأذنوك في أمر الجهاد في سبيل الله بالمال والنفس بل يقدمون عليه عند وجوبه بهمة ونشاط ، فهل يعقل أن يكون من شأنهم أن يستأذنوك في التخلف عنه بعد النفير العام له؟ .. كلا .. نعم لا يستأذنك المؤمنون في القعود عن الجهاد أبدا ما داموا مستطيعين ذلك ، والله عليم بالمتقين وسيجازيهم على ذلك أحسن الجزاء ، إنما يستأذنك المنافقون الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر في القعود عن الجهاد منتحلين الأعذار ، مقسمين أحرج الأيمان ، والله يعلم إنهم لكاذبون ، وهذا يقتضى عدم الإذن لهم بسرعة.
فهم قد ارتابت قلوبهم ، وملئت شكّا ونفاقا ، وهم في ريبهم يترددون ، يحسبون كل صيحة عليهم ، هم العدو قاتلهم الله أنى يؤفكون؟!
ولو أرادوا الخروج معك للقتال لأعدوا له عدته من الزاد والراحلة ، وقد كانوا مستطيعين ذلك. ولكن كره الله انبعاثهم وخروجهم مع المؤمنين ؛ لأنهم لو خرجوا ما فعلوا إلا تفريق كلمتهم ، وإذاعة قالة السوء بينهم ، فثبطهم بما أحدث في قلوبهم من الخواطر ، وما أذاع في جوانبهم من المخاوف فلم يعدوا للخروج عدته وكان في متناول أيديهم ، وقيل لهم من الرسول صلىاللهعليهوسلم : اقعدوا مع القاعدين من المرضى والصبيان والنساء والضعفاء.