ثم أراد القرآن أن يطمئن المؤمنين ويبين أن عدم خروجهم مصلحة للجيش فقال ما معناه : لو خرجوا منبثين فيكم ، وقاتلوا معكم ، ما زادوكم إلا خبالا وضعفا ، واضطرابا في الرأى وفسادا في العمل ، فلن يأتى منهم خير أبدا بل سيأتى شر ، وإذا خرجوا معكم فسيسرعون في الدخول بينكم بالنميمة وتفريق الكلمة حالة كونهم يبغون الفتنة ، وإذاعة السوء ، والتخويف من الأعداء ، وتثبيط الهمة وهذا كله خطر عليكم وأى خطر كهذا؟!!
ولا تنسوا أن فيكم قوما سماعين لهم من ضعفاء العقل والإيمان يسمعون لهم ويصدقونهم في قولهم ، والله يعلم أن قولهم إفك ، وحديثهم كذب ، والله عليم بالظالمين ، ومجازيهم على عملهم.
تالله لقد ابتغوا الفتنة من قبل لكم ، ألا تذكروا موقف عبد الله ابن أبىّ زعيم المنافقين في غزوة أحد حينما توقف عن السير للقتال في مكان يسمى بالشوط وانحاز له ثلث الجيش ، ولقد همت طائفتان منكم أن تفشلا وترجعا عن القتال ، ولكن عصمهم الله من الذلة (إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا) [سورة آل عمران آية ١٢٢] ، وتقدم تفصيل ذلك في الجزء الرابع فخروجهم معكم خطر عليكم ، والله صرفهم عنكم.
لقد ابتغوا الفتنة لكم قديما ، وقلبوا لكم الأمور ، وفكروا كثيرا في القضاء على دعوتكم ولكن : أطنين أجنحة الذباب يضير؟!! نعم لم يفعلوا شيئا فالله معكم ، وقد جاء الحق بالنصر الموعود ، وظهر أمر الله بالتنكيل باليهود ، وبطل الشرك بفتح مكة ، ودخول الناس في دين الله أفواجا ، كل ذلك وهم له كارهون ..!!
يا عجبا لهؤلاء المنافقين ينتحلون الأعذار ، ويظهرون التمسك بالفضيلة ، وما علموا أن الله يعلم السر وأخفى ، ويعلم الغيب والشهادة!! وقد كانت نفوسهم منطوية على نفاق الله أعلم به. انظر إلى بعضهم يقول للنبي صلىاللهعليهوسلم : ائذن لي في القعود عن الحرب وسأعينك بالمال فإنى أخاف فتنة نساء الروم فأذن لي ولا تفتنّى ، فيرد الله عليهم مكذبا دعواهم كاشفا حقيقتهم : ألا في الفتنة سقطوا ، وقد وقعوا فيها كما يقع الإنسان في البئر ، وانظر إلى بدء الجملة بكلمة (ألا) للتنبيه وافتتاح الكلام ؛ وأنهم خبوا في الفتنة ووضعوا!!! وانظر إليهم وهم يتربصون بكم الدوائر ، ويتمنون لكم كل شر وخيبة