قال : «بعد تعذّر الحقيقة» (١) أي لا ينبغي لنا أن نفهم هذه العبارة كما نفهم ما يماثلها من العبارات التي لم تنعقد فيها قرينة خاصة ، لا من ناحية المتكلّم ولا من ناحية موضوع الحكم.
إذن لا بد من إعمال عناية في المقام ، وبحسب تفاوت إعمال هذه العناية تتفاوت أنظار الفقهاء (قدّست أسرارهم) في هذه المذاهب المتقدّمة.
الوجوه المتصوّرة لتخريج اتجاه حرمة الضرر
الوجوه التي يمكن على أساسها إخراج الاتجاه الثالث أربعة :
الوجه الأوّل : أن «لا» في قوله «لا ضرر» مستعملة في نفس المعنى الذي استعملت فيه «لا» التي تدخل على الفعل المضارع وهي «لا» الناهية ، فيكون النهي مدلولاً مطابقياً استعمالياً لكلمة «لا». وهذا معناه أن الجملة تكون إنشائية محضة على حدّ إنشائية صيغة النهي في مثل قولنا : «لا تضرّ» فتكون الحرمة منشأة بهذه الصيغة على وجه الحقيقة.
الوجه الثاني : أن «لا» استعملت في النفي الإخباري بلحاظ المدلول التصوّري والتصديقي معاً ، والمقصود جدّاً الحكاية عن هذه النسبة والإخبار عنها ، فتكون الجملة إخبارية صرفة في قبال الوجه الأول.
وفي هذا الوجه لا بدّ لأصحاب هذا الاتجاه من إعمال عناية في خبر «لا»
__________________
(١) قال : «فاعلم أن المعنى بعد تعذّر إرادة الحقيقة عدم تشريع الضرر.» فرائد الأصول «الرسائل» ، ج ٢ ، ص ٥٣٤ ، وقال في رسالته المعقودة لهذه المقاعدة «إن نفي الضرر ليس محمولاً على حقيقته ، لوجود الحقيقة في الخارج بديهة ، فلا بد من حمله على محامل». المكاسب ، ص ٣٧٢.