ثانياً : الفلسفة
«وهي لم تصبح مصدراً لإلهام الفكر الأصولي في نطاق واسع إلّا في العصر الثالث تقريباً ، نتيجة لرواج البحث الفلسفي على صعيد المدرسة الشيعية بدلاً عن علم الكلام وانتشار فلسفات كبيرة ومجدّدة كفلسفة صدر الدين الشيرازي المتوفى (١٠٥٠) من الهجرة ، فإنّ ذلك أدّى إلى إقبال الفكر الأصولي في العصر الثالث على الاستمداد من الفلسفة واستلهامها أكثر من استلهام علم الكلام ، وبخاصة التيار الفلسفي الذي أوجده صدر الدين الشيرازي ، ومن أمثلة ذلك ما لعبته مسألة أصالة الوجود وأصالة الماهية في مسائل أصولية متعدّدة» (١).
منها : مسألة تعلّق الأوامر بالطبائع أو الأفراد.
توضيح ذلك : إذا أمر الشارع بشيء كقوله «صلّ» فهِمنا من أمره أنّ المطلوب طبيعة الصلاة وإيجادها في الخارج سواءً امتثلت في الفرد الأعلى أم الأدنى ، فالمهمّ الامتثال والخروج عن عهدة التكليف. وإذا نهى عن شيء كقوله «لا تكذب» فهِمنا من نهيه المطلوب مجرّد الترك لطبيعة الكذب بشتى أفراده الضار منها والنافع ، وهكذا يفهم كلّ الناس من الأمر والنهي إذا أُطلقا من غير قرينة ، ولا ينبغي الإشكال والخلاف في هذه الحقيقة بعد ثبوتها بالحسّ والوجدان.
وقال الأصوليون : أجل لا خلاف في أنّ التكليف بظاهره متعلّق بالطبيعة ، ولكن هل المطلوب أوّلاً وبالذات وفي نفس الأمر والواقع هو الفرد الخارجي الذي تصدق عليه الطبيعة ، أمّا هي فغير مطلوبة لنفسها بل كوسيلة للتعبير عن
__________________
(١) المعالم الجديدة ، مصدر سابق ، ص ٩٢.