فإنّ الغرض علّة غائية لما اشتمل عليه من فعل أو ترك ، والالتفات إليه يحرّك الفاعل نحو الفعل أو الترك ، فإذا التفت المولى إلى غرضه الواقعي الذي يفوت بجعل الحكم الظاهري ولم يتحرّك نحو ترك هذا الجعل كان هذا يعني انفكاك المعلول عن علّته.
أمّا الثاني : فببيان أنّ الترخيص في مقابل الأحكام الواقعية تفويت للمصلحة على العبد وإضرار به ؛ لأدائه إلى فوات ملاكات الأحكام الواقعية الناشئة عن المصالح والمفاسد ، وهذا قبيح لا يصدر من المولى الحكيم ، نعم لا استحالة في صدوره من المولى غير الحكيم ، وهذا بخلاف الوجهين الأوّلين غير المربوطين بالعقل العملي ، فإنّ اجتماع المثلين أو الضدّين أو انفكاك المعلول عن العلّة محال حتى لو كان المولى غير حكيم» (١).
ولا نجازف إذا قلنا : إنّ ما ذكره أستاذنا الشهيد في حقيقة الحكم الظاهري أولاً ، وطريقة الجمع بينه وبين الحكم الواقعي ثانياً ، يعدّ من أروع وأدق ما ذكر في كلمات المحقّقين في هذا المجال إلى يومنا هذا.
والحاصل أنّ هذه البحوث وغيرها توقِفنا على نتيجة أساسية مهمّة وهي : أن الأصولي ما لم يقف على الجذور الأساسية لمسائل هذا العلم وقوفاً علمياً استدلالياً فإنّه لا يمكنه تنقيح تلك المسائل ، وهذا يفتح لنا باباً جديداً ينبغي للمجتهد أن يتوفّر عليه لكي يحقّ له إبداء الرأي فيها.
__________________
(١) مباحث الأصول ، مصدر سابق ، ج ٢ ص ٢٥.