المقام الثاني : ما تقتضيه القاعدة في المقام ونسبتها إلى القواعد الأولية
لو فرضنا تمامية الإطلاق في قاعدة السلطنة لإثبات جواز تصرّف المالك في ماله ، وإن استلزم الإضرار بالآخرين ، وقطعنا النظر عمّا تقدّم في المقام الأوّل ، يقع الكلام في أن «لا ضرر» هل يمكن التمسك به لنفي هذه السلطنة باعتبارها ضررية أم لا؟ وقد اعترض على التمسك بالقاعدة لنفي هذه السلطنة بعدّة وجوه ، أهمّها وجهان :
الوجه الأوّل : أنه لا يمكن نفي هذا الحكم الضرري بالقاعدة ، لأنه خلاف الامتنان والإرفاق. فإن سلطنة المالك على حفر البالوعة في بيته وإن كان حكماً ضرريّاً للجار ، لكن نفي هذه السلطنة أيضاً خلاف الامتنان بالنسبة للمالك ، فلا يمكن نفيها بالقاعدة.
وفيه : أن هذا الكلام مبني على كبرى خاطئة أشرنا إليها فيما سبق ، حاصلها : أنه يشترط في جريان القاعدة أن لا يكون الحكم المستنبط منها على خلاف الإرفاق بأحد. نعم ، ما يشترط في جريانها هو أن يكون على طبق الامتنان بالنسبة إلى من يقع عليه الضرر ، فترفعه عنه. أما أن لا يلزم من جريانها خلاف الإرفاق بالنسبة إلى شخص آخر فهو غير تام.
أجل لو بلغ خلاف الامتنان بالنسبة إلى الآخر إلى درجة حقّق مصداقاً للضرر أيضاً ، فيدخل حينئذ في باب تعارض الضررين ، فلا تشملهما القاعدة معاً. أما إذا تعرّض أحدهما للضرر الحقيقي ولم يتعرض الآخر لذلك ، لكن كان الأحسن بحاله والأولى به أن لا ينفى هذا الضرر عن الأول ؛ ففي مثل ذلك لا توجد قرينة على تقييد القاعدة. لذا فرّقنا فيما سبق بين ما يلزم من