الأخرى. فمثلاً : يمكن أن يكون النفي منصبّاً على المرتبة العليا من الوجود الاستساغي مع التصريح بأن ما عداها ثابت في الشريعة ؛ كما لو قيل : «لا تحمّل للضرر عن الغير في الإسلام» ، وكان المراد «لا يجب تحمّله عن الغير» ، فإنه لا ينافي ثبوت جواز التحمّل عنه.
وهذا التصوّر هو الذي يبيّن لنا لماذا يصح أن ننفي الرهبانية في الإسلام ولا يصحّ نفي حرمة الطلاق بقولنا : «لا طلاق في الإسلام» لأنه في قوله : «لا رهبانية في الإسلام» يريد نفي كل مراتب الوجود الاستساغي من الوجوب والاستحباب والجواز. ولازم ذلك أن يكون للرهبانية نحو من الوجود الذي عبّرنا عنه بالاستساغي ليمكن نفيه ، أما في «لا طلاق في الإسلام» فلا وجود مستساغ ولا ثبوت ؛ لأن المفروض حرمة الطلاق ، فكيف يعقل نفيها بهذا اللسان؟
النحو الثالث : نفي الوجود الخارجي للموضوع
وهو أن يبيّن نفي الحكم الشرعي بلسان نفي الموضوع خارجاً وتكويناً لا تشريعاً كما في الأول ، ولا وجوداً استساغياً كما في الثاني ، فينفى السبب وهو الحكم الشرعي بنفي مسببه ومعلوله الخارجي وهو وجود الموضوع. والنكتة في هذا التصور تختلف عن النكتة في الثاني مضموناً وأثراً. أما مضموناً فإن المنفيّ في الثاني هو الوجود الاستساغي ، وهنا هو الوجود الخارجي ، وأما أثراً فلأن نفي الوجود الخارجي للموضوع في هذا الوجه يكون مساوقاً لانتفاء تمام مراتب الاستساغة من الوجوب والاستحباب والإباحة ، بلا حاجة إلى التمسك بإطلاق النفي لنفي جميع المراتب كما في