رابعاً : العامل النفسي
يعتقد الأستاذ الشهيد أنّ جملة من القواعد الأصولية التي استحدثت في العصر الثالث من عصور العلم ، التي يمكن عدّها من السمات البارزة في هذه المرحلة إنّما نشأت من عامل نفسي كان يعيشه الفقهاء ، ولو لا تلك الحالة لما انصبّ جهدهم لتأسيس هذه القواعد التي كان لها دور كبير وعميق في تأسيس وتنقيح كثير من المسائل التي بحث عنها في الفقه والأصول معاً.
والمثال البارز لهذه الحالة هو البحث في السيرة العقلائية وما استتبع ذلك من أبحاث مفصّلة حول نكاتها وموارد جريانها ، حيث إننا عند ما نراجع كلمات السابقين على عصر الشيخ الأنصاري لا نجد مثل هذا الاهتمام بالاستدلال بالسيرة كما نجده في كلمات الشيخ الأعظم ومن تأخر عنه ؛ فلهذا يقول السيد الشهيد : ولذا نرى الاستدلال بالسيرة في ألسنة المتأخّرين عن الشيخ الأعظم كثيراً وفي لسان الشيخ قليلاً فضلاً عمّا قبل الشيخ.
أما ما هي النكتة في ذلك ، ولماذا حصل هذا التحوّل في عملية الاستدلال بالسيرة؟
يقول السيّد الصدر : إنّ الذي يظهر من كلمات جملة من الأكابر والمحقّقين أنّ هناك محذوراً لا يمكن للفقيه أن يلتزم به ، وهذا المحذور يُجعل غالباً دليلاً برأسه لإبطال كلّ دعوى تؤدّي إلى ترتّب ذلك المحذور وهو ما يعبّر عنه في كلمات القوم بأنه «يلزم منه تأسيس فقه جديد» فمثلاً يقال بأنّ التمسّك بإطلاق" لا ضرر ولا ضرار" يلزم منه تأسيس فقه جديد ، وهكذا يشكل بهذا المحذور على جملة من المدّعيات بأنّها لو تمّت لأدّت إلى هذا التالي الباطل ، فيستكشف من بطلان التالي بطلان المقدّم.
__________________
(١) الحلقة الثالثة ، مصدر سابق ج ١ ، ص ٢٧٩.