فإن قلت : إنّ هذا الثبات النسبي للغة وظواهرها وإن كان يوحي للأفراد الاعتياديين بفكرة عدم تغيّرها وتطابق ظواهرها على مرّ الزمن ، إلّا أنّه إيحاء خادع وغير مطابق للواقع ، فكيف يمكن الاعتماد عليه؟
قلت : «إنّ هذا الإيحاء وإن كان خادعاً ولكنّه على أي حال إيحاء عام استقر بموجبه البناء العقلائي على إلغاء احتمال التغيير في الظهور باعتبار أنّ التغيير حالة استثنائية نادرة تنفى بالأصل ، وبإمضاء الشارع للبناء المذكور تثبت شرعية أصالة عدم النقل أو أصالة الثبات. ولا يعني الإمضاء المذكور تصويب الشارع للإيحاء المذكور وإنّما يعني من الناحية التشريعية جعله احتمال التطابق حجّة ما لم يقم دليل على خلافه.
ومن هنا فلا تجري أصالة الثبات في اللغة فيما إذا علم بأصل التغيّر في الظهور أو الوضع وشك في تاريخه هل متقدّم أو متأخّر ، لعدم انعقاد البناء العقلائي في هذه الحالة على افتراض عدم النقل في الفترة المشكوكة. والسرّ في ذلك أنّ البناءات العقلائية إنّما تقوم على أساس حيثيات كشف عامة نوعيّة ، فحينما يلغى احتمال النقل عرفاً يستند العقلاء في تبرير ذلك إلى أنّ النقل حالة استثنائية في حياة اللغة بحسب نظرهم وأمّا حيث تثبت هذه الحالة الاستثنائية فلا تبقى حيثية كشف مبرّرة للبناء على نفي احتمال تقدّمها» (١). هذه بعض الموارد الأساسية التي كان لعامل الزمن دور مهمّ في وجودها والوقوف عندها ، ومن الواضح أنّ مثل هذه الأبحاث لم تكن مورد ابتلاء المعاصرين للنصّ الشرعي أو القريبين منه.