بعد أن استحصل المحقّقون من هذا الحديث المدلول الذي يناسب نفي الحكم الضرري بأي تركيب كان ، اصطدم هذا الفهم بعدّة إشكالات داخلية وخارجية ، وهي كالآتي :
المشكلة الأولى : كثرة التخصيص
الأحكام الضررية في الإسلام كثيرة في أبواب الفقه المختلفة ، كالديات والقصاص والجهاد والحج والضرائب المالية كالخمس والزكاة والضمان ونحوها. ومع وجود هذه الكثرة من الأحكام الضررية التي قد تشكّل نصف الفقه ، كيف يمكن دعوى أن الشريعة لا حكم ضرريّاً فيها. ومن الواضح أن هذه التخصيصات تبلغ إلى درجة توجب استهجان إلقاء مثل هذه القاعدة. إذن فلا بدّ أن يُراد منها معنىً آخر غير نفي الحكم الضرري.
من هنا قد يتراءى من بعض الكلمات أن الحديث مجمل لا يمكن العمل به ، وقد يقال : إن إجماله يوجب الاقتصار على خصوص التطبيقات التي مارسها الفقهاء السابقون ، بدعوى تقول : لعلّهم اطّلعوا على ذلك المعنى المعين ، ونحن لم نقف عليه ، فنقتصر على خصوص دائرة تطبيقهم. وأجاب بعضهم : حيث إنّ «لا ضرر» حاكمة على أدلّة الأحكام الأولية لا معارضة معها ، فهي إذن ناظرة إلى تلك الأحكام التي ليست بطبعها ضررية ، وإنما قد يتفق أن يكون إطلاقها ضرريّاً فيرتفع بالقاعدة. أما الحكم الذي يكون بطبعه ضرريّاً كهذه الأحكام التي ذكرت فلا تشملها القاعدة.