بمعنى أنها تدلّ على نسبة يشارك فيها اثنان ، كالمقابلة والمضاربة والمنازعة ، حالها في ذلك حال باب التفاعل ، كالتضارب والتنازع والتقابل ، غاية الأمر أنهم فرّقوا بينهما أن الباب الأول يكون أحد الطرفين فيه أصيلاً والآخر تابعاً ، لذا يصح أن يجعل أحدهما فاعلاً والآخر مفعولاً ، مع أن الفعل بنحو المشاركة فيما بينهما ، فيقال مثلاً ضارب زيد عمراً ، بخلافه في الباب الثاني فهما في عرض واحد ليس بينهما طولية. من هنا لا يصحّ جعل أحدهما فاعلاً والآخر مفعولاً ، بل كلاهما في حكم الفاعل ، مثل تضارب زيد وخالد.
نظرية الأصفهاني في باب المفاعلة
وقد رفض المحقّق الأصفهاني هذه النظرية ، مدّعياً أن باب المفاعلة لا يشترط أن يكون بين اثنين. ويمكن تحليل كلامه إلى أقسام ثلاثة :
القسم الأوّل : الاستدلال الاستقرائي اللغوي على عدم كون باب المفاعلة من فعْل الاثنين ، وذلك بالاستشهاد بموارد كثيرة من القرآن الكريم وغيره من موارد الاستعمال ، وشيء منها ليس من فعْل الاثنين ، من قبيل هاجَر ونافَق ، ففي هذه الموارد لا يوجد اثنان حتى يصلح أن يصدر منهما هذا الفعل (١).
__________________
(١) قال في نهاية الدراية : «لا يخفى عليك أن الضرار وإن كان مصدراً لباب المفاعلة ، وهو كما في المتن ، الأصل فيه أن يكون فعل الاثنين ، كما هو المشهود ، إلا أنه لا أصل له ، كما شهد له الاستعمالات الصحيحة الفصيحة القرآنية وغيرها ، فإن فيها ما لا يصح ذلك ، وفيها ما لا يراد منه ذلك كقوله تعالى : (يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا) فإن الغرض نسبة الخديعة منهم إلى الله وإلى المؤمنين ، لا منهما إليهم أيضاً ،