أحدهما : السيرة العقلائية : ويمكن تحصيلها في مثل ترتيب العقلاء آثار الوقف والوصية ونحوهما على النصوص والوثائق القديمة في الأوقاف والوصايا طبق ما يفهمه المتولي في عصره ولو كان بعيداً عن عصر الوقف.
ثانيهما : السيرة المتشرعية : ويمكن تحصيلها من ملاحظة أصحاب الأئمة (عليهمالسلام) الذين كانوا يعملون بالنصوص الأوّلية من القرآن والسنّة النبوية الشريفة على ما يستظهرون منه في عرفهم وزمانهم كما كان يصنع أسلافهم ، مع أنّه كان يفصلهم عنهم زمان يقارب ثلاثة قرون وقد كانت فترة مليئة بالحوادث والمتغيّرات.
ونكتة هذه السيرة بكلا مظهريها وملاكها بحسب الحقيقة ندرة وقوع النقل والتغيير وبطئه ، بحيث إنّ كلّ إنسان بحسب خبرته غالباً لا يرى تغييراً محسوساً في اللغة ؛ لأنّ عمر اللغة أطول من عمر كلّ فرد ، فأدّى ذلك إلى أن كلّ فرد يرى أن التغيّر حادث على خلاف الطبع والعادة ، وحينئذٍ إمّا أن يفترض أنّ الأصحاب قد التفتوا إلى احتمال النقل والتغيير في الظهورات السابقة على زمانهم صدوراً ومع ذلك أجروا أصالة الظهور ، أو أنّهم غفلوا عن هذا الاحتمال بالمرّة وعملوا بما يفهمونه من الظهورات. فعلى الأوّل يكون بنفسه دليلاً على حجّية أصالة الثبات شرعاً. وعلى الثاني فنفس الغفلة في مثل هذا الموضوع تعرّضهم لتفويت أغراض الشارع لو لم تكن أصالة الثبات حجّة ، فسكوت المعصوم (عليهالسلام) وعدم تصدّيه لإلفاتهم دليل على إمضاء هذه الطريقة ، وكفاية الظهور الذي يفهمه الإنسان في زمانه في تشخيص الظهور الموضوعي المعاصر لصدور الكلام». (١)
__________________
(١) بحوث في علم الأصول ، مصدر سابق ، ج ٤ ، ص ٢٩٤.