توضيحه : قلنا في الوجه الثالث : إن انتفاء الحرام بحسب الخارج هو من آثار الحرمة ، حيث إن الحرمة من قبل المولى سبب للامتثال خارجاً ، فيكون انتفاء الحرام وعدم وجوده من آثارها. وبهذا الاعتبار يمكن أن يُقال إن عدم الحرام خارجاً تسبيبي للشارع ، أي إنه يتسبّب إلى عدم الحرام خارجاً. فمجعوله الأوّلي تشريعاً هو الحرمة ، ومجعوله بالتسبيب والتوسيط هو عدمها خارجاً ؛ وكما أن الشارع يمكنه أن يأتي بالجملة الدالّة على الأثر وهو انتفاء الحرام إخباراً وكناية واستطراقاً للكشف عن الحرمة ، كذلك يمكنه أن يأتي بالجملة الدالة على الأثر إنشاءً ، أي يُنشئ الأثر في المقام كناية عن إنشاء ذي الأثر وهو الحرمة.
على هذا الأساس تكون الجملة إنشائية ، إلّا أنه لم ينشأ بها الحرمة حقيقة كما هو الحال في الوجه الأوّل ، بل أنشئ بها الحرمة على وجه الكناية ، لأنه إنشاء للازمها لا لنفسها ، من قبيل أن تنشئ لغيرك جواز التصرّف في مال ، وتريد بذلك تمليكه ، فهو إنشاءٌ للأثر عنواناً ، لكن المراد حقيقة وجداً هو إنشاء ذي الأثر لا إنشاء نفس الأثر وهو التصرّف ؛ فهو إنشاء للملكية بنحو الكناية لأنه استطراق إلى إنشائها بتوسط إنشاء أثرها. فالاستطراق الكنائي كما يكون بالإخبار يكون بالإنشاء أيضاً.
وهذا الوجه يتّفق مع الثالث في الكناية ، لكن المكنّى في الثالث هو الإخبار وفي الرابع هو الإنشاء ، ويختلفان عن الأولين لأنهما لم يكونا على وجه الكناية بل على وجه الحقيقة ، إما بإنشاء الحرمة حقيقة أو بالأخبار عنها كذلك.
وهناك وجوه أُخر يمكن استفادة حرمة الضرر منها أيضاً ، لكن لا بنحو الانحصار بل بنحو تكون ملائمة مع ما يدّعيه أصحاب الاتجاه الأوّل ، وسيأتي الحديث عنها.