فالتصدّي لنفي الحكم الضرري ليس هو في قبال الحالة الأولى ، لأنها منفية بالبداهة ، وإنما هي في قبال الحالة الثانية وهي جعل تشريعات قد تؤدّي إلى الضرر ، وهذا يستلزم فرض أصل التشريع في المقام ، وأن القاعدة بصدد نفي إطلاقها لحالة الضرر.
إلّا أن هذا البيان غير تام ، لو لم يتمّ التقريبين السابقين ، أي لو لم يكن عندنا ارتكاز أن النبي (صلىاللهعليهوآله) صاحب شريعة ، ولم يكن للدليل ظهور في مانعية الضرر عن التشريع ، فإن هذا البيان لا يكون كافياً لوحدة لإثبات ذلك المدّعى ؛ فإن الصور المحتملة في المقام هي :
أن يخصّص الشارع أحكامه بحالة الضرر.
أن تكون أحكامه مشتملة على حالات تؤدي إلى الضرر.
أن لا يشرّع أصلاً.
والصورة الأولى منفية بالبداهة العرفية ، فتبقى الصورتين الأخيرتين ، والمفروض أننا قطعنا النظر عن ارتكاز وجود الشريعة وظهور الدليل في المانعية الذي ينفى الصورة الثالثة ، إذن يكون الأمر مردّداً بين الثانية والثالثة ، حينئذ فالنفي كما يناسب أن يكون بلحاظ الصورة الثانية يتناسب مع الصورة الثالثة أيضاً. وهي أن لا يشرع شيئاً أصلاً وفلا معيّن للحمل على الصورة الثانية التي مرجعها إلى النفي التركيبي ، بل يلائم الثانية التي يكون النفي فيها بسيطاً. فلو قطعنا النظر عن التقريبين السابقين ، فمجرّد دلالة الاقتضاء ولغوية نفي الصورة الأولى لا يكفي لتعيّن الصورة الثانية.
والحاصل : أن القاعدة تتقدّم على الأحكام الأولية بملاك الحكومة. وبهذا تمّ الكلام في التنبيه الثالث من تنبيهات القاعدة.