وكذا إطلاق بعضهم حكمية نجاسة الميت ، وآخر العينية ، ونحو ذلك هو الذي ألجأ الصيمري في كشف الالتباس إلى إساءة الأدب مع الأصحاب الذين بهم تمت الحجة وقامت الشريعة ، وإلى ما لا نأمل أن يقع من مثله بالنسبة إليهم ، قال فيه : « اعلم أن نجاسة الميت أشكل مسألة في الشرع ، ولقد خبط فيها علماء السنة والشيعة خبط عشواء ».
ثم انه أطنب في المقال غاية الاطناب ، وظن أنه جاء بشيء ، والناظر فيه يعلم أنه عن ذاك بمعزل ، وليت شعري ما الذي حداه إلى ذلك هنا ، فان كان تعدد أقوال الأصحاب فهو أقل قليل بالنظر إلى غير المقام ، وان كان إجمال الأمر عليه حيث لم يعرف مرادهم بالحكمية والعينية فهو قصور منه لا عيب منهم.
مع انه صرح غير واحد بما يكشف ذلك ، فقال : إن الحكمية قد تطلق ويراد بها ما لا جرم له من النجاسات كالبول اليابس ونحوه ، وقد تطلق ويراد بها ما يكون المحل الذي قامت به طاهرا لا ينجس الملاقي له ، ويحتاج زوال حكمها إلى النية ، وقد تطلق ويراد بها ما يقبل التطهير من النجاسات كبدن الميت ، وقد تطلق ويراد بها ما حكم الشارع بتطهيرها من غير ان يلحقها حكم غيرها من النجاسات العينية ، وتقابلها العينية في الأربعة ، فإطلاق الأصحاب حينئذ عليها حكمية تارة ، وعينية أخرى انما هو باختلاف الجهتين والاعتبارين ، أو من جهة اختيار أحد القولين السابقين ، وليس ذلك من التناقض في شيء حتى يلتجى له إلى هذا التشنيع الشنيع ، وكأنه لم يلحظ إيضاح الفخر أو جامع المقاصد والروض وفوائد القواعد.
وقد عرفت أن الأقوى عندنا أنها حكمية بمعنى قبولها للتطهير واحتياجها إلى النية ، وعينية بمعنى تعدي النجاسة منها إلى ما يلاقيها برطوبة ، وكذا ما لاقى ما يلاقيها كذلك ، ولو لا مخافة الاطناب لتعرضنا إلى ما يكشف عنه ما توهم من دعوى التناقض في كلمات الأصحاب ، كما انه لولاه لكشفنا اللثام عن أمور أخر لها نوع تعلق في المقام ، ولعل فيما ذكرنا الكفاية إن شاء الله.