ثمّ إنّ ابن قدامة بعد ما نقل هذا حاول أن يصحّح الحديث بقوله : ولعلّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فَعَل ذلك ( البول قائماً ) لتبيين الجواز ولم يفعله إلاّ مرة واحدة ، ويحتمل انّه في موضع لا يتمكّن من الجلوس فيه. (١)
وما ذكر من الوجه الأوّل مردود بأنّ في إمكان الرسول أن يبيّن جواز المسح على الخفين بكلامه لا بفعله الذي يعد من صفات غير المبالين بأحكام الشريعة.
قد أخرج ابن ماجة في سننه عن عمر قال : رآني رسول الله أبول قائماً ، فقال : يا عمر لا تبل قائماً. (٢)
مضافا إلى أنّ ظاهر الحديث أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يتطهّر من البول فلا بدّ من القول بالحذف والتقدير في جمل الحديث ، وعلى فرض الصحّة فهو ينقل فعل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من دون أن يوقّت ظروفه فلا يكون حجّة في مقابل القرآن الكريم. ولعلّه كان قبل نزول آية الوضوء. وبه تظهر حال رواية سعد بن أبي وقاص حيث لم تعيّن ظرف العمل وانّه هل كان قبل نزول المائدة أو بعدها؟
٣. عن جعفر بن أميّة بن الضمري ، عن أبيه : رأيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم مسح على عمامته وخفّيه ، والكلام في هذا الحديث هو نفس الكلام في الحديثين السابقين.
٤. عن كعب بن عجرة قال : حدّثني بلال قال : رأيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم توضّأ ومسح على الخفّين والخمار.
٥. عن سليمان بن بريدة ، عن أبيه ، قال : رأيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم توضّأ مرّة مرّة ومسح على الخفّين ، وصلّى الصلوات كلّها بوضوء واحد. فقال له عمر : صنعت شيئا ما كنت تصنعه. فقال : عمدا فعلته يا عمر.
__________________
١. المغني : ١ / ١٥٦.
٢. سنن ابن ماجة : ١ / ١١٢ ، برقم ٣٠٩.