وامسحوا :
فلو قلنا : إنّ العامل هو الأوّل يجب غسلهما ، ولو قلنا بأنّ العامل هو الثاني يجب مسحهما ، فملاك إيجاب واحد منهما رهن تعيين العامل في « أرجلكم ».
لا شكّ انّ الإمعان في الآية ، مع قطع النظر عن كل رأي مسبق وفعل رائج بين المسلمين ، يثبت انّ الثاني ، أي ( فامسحوا ) هو العامل دون الأوّل البعيد.
وإن شئت قلت : إنّه معطوف على القريب ، أي الرءوس لا على البعيد ، أعني : الوجوه ، ونوضح ذلك بالمثال التالي :
لو سمعنا قائلاً يقول : أحب زيدا وعمرا ومررت بخالد وبكر من دون أن يعرب « بكر » بالنصب أو الجرّ ، نحكم بأنّ « بكر » معطوف على « خالد » والعامل فيه هو الفعل الثاني وليس معطوفا على « عمرو » حتّى يكون العامل فيه هو الفعل الأوّل.
وقد ذكر علماء العربية أنّ العطف من حقّه أن يكون على الأقرب دون الأبعد ، وهذا هو الأصل والعدول عنه يحتاج إلى قرينة موجودة في الكلام ، وإلاّ ربما يوجب اللّبس واشتباه المراد بغيره.
فلنفرض أنّ رئيسا قال لخادمه : أكرم زيدا وعمرا واضرب بكرا وخالدا ، فهو يميز بين الجملتين ، ويرى أنّ « عمرا » عطف على « زيدا » ، وأمّا « خالدا » فهو عطف على « بكرا » ، ولا يدور بخلده خلاف ذلك.
قال الرازي : يجوز أن يكون عامل النصب في قوله ( أَرْجُلَكُمْ ) هو قوله : ( وَامْسَحُوا ) ويجوز أن يكون هو قوله ( فَاغْسِلُوا ) لكن العاملين إذا اجتمعا على معمول واحد كان إعمال الأقرب أولى ، فوجب أن يكون عامل النصب في قوله : ( أَرْجُلَكُمْ ) هو قوله ( وَامْسَحُوا ).