لو افترضنا صحّة مضامين هذه الروايات لكن الظاهر من روايات الصحيحين انّ النبي خرج في جوف الليل فصلّى في المسجد وهو كناية انّه صلّى في المسجد ، النوافل الليلية ، وهي لا تتجاوز عن ثماني ركعات ، فسواء أقلنا انّه خرج ليلة واحدة أو ليلتين أو ثلاث أو أربع فقد خرج في جوف الليل لإقامة النوافل الليلية فاقتدى به من اقتدى من الصحابة ، فعندئذ يكون الثابت من فعل النبي هو هذا المقدار وأين هذا من إقامة صلاة التراويح في عامة شهر رمضان في كلّ ليلة عشرين ركعة ، ترويحة بعد أربع ركعات فتكون ستمائة ركعة إذا كان الشهر تاما.
فلو قلنا بأنّ التشريع ثبت بفعل النبي فإنّما ثبت هذا المقدار القليل فما الدليل على الأكثر منه؟ يقول عبد الرحمن الجزيري في كتابه « الفقه على المذاهب الأربعة » :
روى الشيخان أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم خرج من جوف الليل ليالي من رمضان ، وهي ثلاث متفرقة : ليلة الثالث ، والخامس ، والسابع والعشرين ، وصلّى في المسجد ، وصلّى الناس بصلاته فيها ، وكان يصلّي بهم ثماني ركعات ويكملون باقيها في بيوتهم فكان يسمع لهم أزيز ، كأزيز النحل.
وقال : ومن هذا يتبين انّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم سنّ لهم التراويح والجماعة فيها ولكن لم يصلّ بينهم عشرين ركعة كما جرى عليه من عهد الصحابة ومن بعدهم إلى الآن. (١)
وممّن التفت إلى هذا الإشكال ، القسطاني ، قال :
__________________
١. الفقه على المذاهب الأربعة : ١ / ٢٥١.