فقال : ويحك يا فتح إن لله إرادتين ومشيتين إرادة حتم وإرادة عزم ، ينهى وهو يشاء ، ويأمر وهو لا يشاء ، أوما رأيت أنه نهى آدم وزوجته عن أن يأكلا من الشجرة وهو شاء ذلك ، ولو لم يشأ لم يأكلا ، ولو أكلا لغلبت مشيتهما مشية الله . وأمر إبراهيم يذبح ابنه إسماعيل عليهماالسلام ، وشاء أن لا يذبحه ، ولولم يشأ أن لا يذبحه لغلبت مشية إبراهيم مشيئة الله عز وجل !
قلت : فَرَّجْتَ عني فَرَّجَ الله عنك ، غير أنك قلت : السميع البصير ، سميع بالأذن وبصير بالعين ؟ فقال : إنه يسمع بما يبصر ، ويرى بما يسمع ، بصير لا بعين مثل عين المخلوقين ، وسميع لا بمثل سمع السامعين ، لكن لما لم يخف عليه خافية من أثر الذرة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء تحت الثرى والبحار ، قلنا : بصير ، لا بمثل عين المخلوقين . ولما لم يشتبه عليه ضروب اللغات ، ولم يشغله سمع عن سمع ، قلنا : سميع ، لا مثل سمع السامعين .
قلت : جعلت فداك قد بقيت مسألة ، قال : هات لله أبوك .
قلت : يعلم القديم الشئ الذي لم يكن أن لو كان كيف كان يكون ؟
قال : ويحك إن مسائلك لصعبة ، أما سمعت الله يقول : لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا . وقوله : وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ . وقال يحكي قول أهل النار : رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ . وقال : وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ ، فقد علم الشئ الذي لم يكن أن لو كان كيف كان يكون .