أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا ) (١).
والّذي ينقض دعوىٰ الدليمي بهذا النصّ نفسه أيضاً ، أنّ الشورىٰ المزعوم حصولها في سقيفة بني ساعدة لم يتمخّض عنها اختيار مَن هو أقوىٰ الناس علىٰ هذا الأمر ، وأعلمهم بأمر الله فيه ، بل الّذي حصل هو العكس من ذلك (٢) ..
فها هو أبو بكر يقف معترفاً بعجزه عن هذا الأمر ويقول : أقيلوني فلست بخيركم (٣).
__________________
(١) سورة الأحزاب : الآية ٣٦.
(٢) الواقع لم تكن هناك شورىٰ في السقيفة بالمعنىٰ المتعارف عليه ، بل جرىٰ استئثار المهاجرين علىٰ الأنصار بحقّ التصويت بالخلافة بعد سباب وشتم وتهديد بالقتل ..
قال عمر : مَن ينازعنا سلطان محمّد وميراثه ونحن أولياؤه وعشيرته إلاّ مدل بباطل ، أو متجانف لإثم ، أو متورّط في هلكة.
ولمّا تكلّم الحبّاب بن المنذر أغلظ له عمر القول وأجابه : « إذاً يقتلك الله ». كما قال ـ أي عمر ـ في الواقعة ذاتها محرّضاً علىٰ قتل سعد بن عبادة لمّا نازعهم : « اقتلوه قتله الله ».
فانظر عزيزي القارئ كيفية الخطاب بين الأصحاب من أجل اختيار الخليفة ، وكذلك كيفية القدح بالآخرين وتهديدهم بالقتل من أجل منعهم عن حقّ التصويت بالخلافة.
راجع : تاريخ الطبري ٢ / ٤٥٩ ، تاريخ ابن خلدون ق ٢ ج ٢ ص ٦٤ ، صحيح البخاري ٤ / ١٩٤ باب : مناقب المهاجرين وفضلهم.
وأقول : إن كان القوم يرون أنّ هذه الواقعة ، بما جرىٰ فيها من سباب وشتم وتهديد بالقتل بين الجيل الأوّل من الصحابة ، هي أعظم المصاديق وأفضلها لتطبيق حكم الشورىٰ الّذي ينادون به في الإسلام ، فالسلام إذاً علىٰ الإسلام وأهله !
(٣) المعجم الأوسط ٨ / ٢٦٧ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١ / ١٦٩ ، تفسير القرطبي ١ / ٢٧٢ ، ٢ / ٧٢ ، السير الكبير ـ للشيباني ـ ١ / ٣٦ ، الإمامة والسياسة ١ / ٣١ ، وقريب منه في المصنّف ـ للصنعاني ـ ١١ / ٣٣٦.