مقتل عثمان ، وسرّ تمنّعه عليهالسلام عن موافقة الناس علىٰ بيعته أوّل الأمر ، وقد نقلنا للقارئ الكريم أيضاً تعليق الشيخ محمّد عبده علىٰ كلامه عليهالسلام أعلاه ، فارجع إليه (١).
وبالإضافة إلىٰ ما ذُكر يمكن القول : إنّ الإمام عليهالسلام أراد بتمنّعه عن موافقة الناس علىٰ بيعته أوّل الأمر ، بعد مقتل عثمان ، أن يختبر الناس ويمحَص نواياهم نحوه ; كي لا تكون بيعته فلتة ، كبيعة الّذين سبقوه ، من غير تدبّر ولا روية ، ولهذا كان يقول للناس الّذين أرادوه للبيعة ، كما جاء في النهج : « اعلموا أنّي إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم ، ولم أصغِ إلىٰ قول القائل وعتب العاتب ».
وكان الهدف من ذلك واضحاً ، فالإمام عليهالسلام يريد أن يلزمهم ببيعته ، فلا يقبل بعد ذلك عذر عاذر عن التخلّف عن طاعته واتّباع أوامره (٢) ، لأنّ البيعة كانت عن إصرار من الناس وإلحاح عليه ، ولم تكن فلتة ، لذا تراه يقول للناس بعد ذلك ـ أي بعد البيعة وأخذهم بالعدل في الحكم والسوية في العطاء ـ : « لم تكن بيعتكم إيّاي فلتةً ، وليس أمري وأمركم واحداً ، إنّي أُريدكم لله وأنتم تريدونني لأنفسكم ... أيّها الناس ! أعينوني علىٰ أنفسكم ، وأيم الله ! لأنصفنّ المظلوم من ظالمه ، ولأقودنّ الظالم بخزامته (٣) ، حتّى
__________________
(١) وتجدر الإشارة هنا إلىٰ أنّ البيعة للنبيّ أو الإمام لا تثبت نبوته أو إمامته ، بالمعنىٰ الّذي يفهم منه أنّ عدم مبايعة النبيّ أو الإمام من قبل الناس يلغي نبوته أو إمامته ، وإنّما البيعة هي تأكيد شرعي وعرفي للالتزام بخطّ النبوّة والإمامة ليس إلاّ ، وإلاّ فالنبوّة والإمامة ثابتتان بالنصّ الإلهي وإن انكرتهما الناس أو جحدوا بهما !
(٢) انظر إلىٰ خطاباته وأقواله عليهالسلام في نهج البلاغة للخارجين عليه بعد البيعة ، كـ : طلحة والزبير والخوارج ومعاوية.
(٣) الخزامة ـ بالكسر
ـ : حلقةً من شعر تجعل في وترة أنف البعير ليشد فيها الزمام