وأنّ قتاله أهل الشام الّذين أبوا الدخول في البيعة ، وأهل الجمل والنهروان الّذين خلعوا بيعته حقّ ، وكان حقّ الجميع أن يصلوا إليه ويجلسوا بين يديه ويطالبوه بما رأوا ، فلمّا تركوا ذلك بأجمعهم صاروا بغاة ، فتناولهم قوله تعالىٰ : ( فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللهِ ).
ولقد عتب معاوية علىٰ سعد بن أبي وقّاص لعدم مشاركته له فقال سعد رادّاً عليه : لقد ندمت علىٰ تأخّري عن قتال الفئة الباغية. يعني بها : معاوية ومَن تابعه (١).
وهذا المعنىٰ لم يخالف فيه أحد ؛ قال الجصّاص في أحكام القرآن : قاتل عليّ وكان محقّاً في قتاله لهم ، لم يخالف فيه أحد إلاّ الفئة الباغية الّتي قابلته وأتباعها (٢).
وفي روح المعاني للآلوسي : عن الحاكم والبيهقي ، عن عبد الله بن عمر ، قال : ما وجدت في نفسي من شيء ما وجدت في نفسي من هذه الآية ، وهي قوله تعالىٰ : ( فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي ... ) .. الآية ؛ حيث إنّي لم أُقاتل الفئة الباغية ـ يعني : معاوية ومَن معه من الباغين ـ علىٰ عليّ عليهالسلام (٣). انتهىٰ.
وعليه ، فأقول للدليمي : لِمَ لا تُذكر هذه السيرة لأجل الاقتداء بها في مجاهدة البغاة والدعاة إلىٰ النار ، الّذين يبغونها عوجاً ؟!
وفي هذا قال أبو بكر الجصّاص في كتابه المتقدّم : ولم يدفع أحد من علماء الأُمّة وفقهائها ، سلفهم وخلفهم ، وجوب ذلك ، إلاّ قوم من الحشو
__________________
(١) أحكام القرآن ـ لابن العربي ـ ٢ / ٢٢٤.
(٢) أحكام القرآن ـ للجصّاص ـ ٣ / ٥٣٢.
(٣) روح المعاني ٢٦ / ١٥١.