وجهّال أصحاب الحديث ; فإنّهم أنكروا قتال الفئة الباغية ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالسلاح.
وسمّوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : فتنة ، إذا احتيج فيه إلىٰ حمل السلاح وقتال الفئة الباغية ، مع ما قد سمعوا من قول الله تعالىٰ : ( فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللهِ ) ، وما يقتضيه اللفظ من وجوب قتالها بالسيف وغيره.
وزعموا مع ذلك أنّ السلطان لا يُنكر عليه الظلم والجور وقتل النفس الّتي حرّم الله ، وإنّما ينكر علىٰ غير السلطان بالقول أو باليد بغير سلاح ، فصاروا شرّاً علىٰ الأُمّة من أعدائها المخالفين لها ; لأنّهم أقعدوا الناس عن قتال الفئة الباغية وعن الإنكار علىٰ السلطان الظلم والجور ، حتّىٰ أدّىٰ إلىٰ تغلّب الفجّار ، بل المجوس وأعداء الإسلام ، حتّىٰ ذهبت الثغور ، وشاع الظلم ، وخرّبت البلاد ، وذهب الدين والدنيا ، وظهرت الزندقة والغلوّ ومذهب الثنوية والخرمية والمزدكية.
والّذي جلب ذلك كلّه عليهم : ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والإنكار علىٰ السلطان الجائر. والله المستعان (١).
أقول :
ولعلّ الدليمي حين أراد إخراج هذه القضية من الدين ، قد أراد ذلك بلحاظ المخاطبين فقط ! وهم مسلمو اليوم ، باعتبار أنّ هذه القضية ليست لها الآن ـ كما يُتصوّر ـ مساس بعقائد المسلمين وفقههم ، وأنّها مسألة تاريخية لا فائدة من تجديد البحث فيها ، كما عبّر عن ذلك ..
__________________
(١) أحكام القرآن ـ للجصّاص ـ ٢ / ٤٣.