فأقول :
إنّ وجوب التوبة عامّ في الأشخاص والأحوال ، فلا ينفك منه أحد البتة ، كما قال تعالىٰ : ( وَتُوبُواْ إلىٰ اللهِ جَمِيعًا ) ، فعمّم الخطاب ، وكلّ إنسان لا يخلو من معصية ، إلاّ أنّ الأنبياء والأوصياء ذنوبهم ليست كذنوبنا (١) ، وإنّما هي ترك دوام الذكر والاشتغال بالمباحات ، ولذا ورد أنّ : حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين ..
وقال الإمام الصادق عليهالسلام : « إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يتوب إلىٰ الله ويستغفره في كلّ يوم وليلة مائة مرّة ـ وفي حديث : سبعين مرّة ـ من غير ذنب » (٢) ، أي : كذنوبنا.
فإنّ ذنب كلّ واحد إنّما هو بحسب قدره ومنزلته عند الله ، وهذا باب شريف ينفتح منه معنىٰ اعتراف الأنبياء والأئمّة بذنوبهم وبكائهم وتضرّعهم ، فإنّ قلوبهم لنهاية صفائها ونورانيتها يؤثّر فيها الاشتغال بالمباحات ، والغفلة عن الذكر ، والفكر بالتوجّه إلىٰ هذا العالم ، فيعدّون ذلك معصية بالنسبة إليهم ، يستغفرون الله منها (٣).
قال ابن أبي الحديد في شرحه للكلمات السابقة الواردة عن أمير المؤمنين عليهالسلام : هذا فتح لباب التوبة ، وتطريق إلىٰ طريقها ، وتعليم للنهضة
__________________
(١) عليّ عليهالسلام هو وصيّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ; انظر : مسند أبي يعلىٰ ٤ / ٣٤٥ ، المعجم الكبير ٦ / ٢٢١ ، الرياض النضرة ٣ / ١٣٨ ، كنز العمّال ١١ / ٦١ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٩٢ ، سبل الهدىٰ والرشاد ١١ / ٢٩١.
(٢) الكافي ٢ / ٢٥٠ ، وسائل الشيعة ١٦ / ٨٥.
(٣) حقّ اليقين في معرفة أُصول الدين ٢ / ٢٩٠.