وما قلناه سابقاً في أوّل الكتاب عند حديثنا عن العودة إلىٰ القرآن الكريم ـ بأنّ العودة الصحيحة إنّما تكون بالعودة إلىٰ مفسّريه وتراجمته العارفين بعلومه ، والّذين سمّاهم الله عزّ وجلّ في كتابه بـ : ( أَهْلَ الذِّكْرِ ) و ( الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) ، وجعلهم النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم عدلاً للكتاب ، وأخبر أنّ التمسّك بهم مع الكتاب عصمة من الضلالة أبد الآبدين ، وجعل مثلهم في أُمّته كسفينة نوح الّتي مَن ركبها نجا ومَن تخلّف عنها غرق وهوىٰ ـ يجري هنا في مهمّة ولاة الأمر أيضاً.
وسنطبّق هذا المعنىٰ ـ الّذي أشرنا إليه ـ من خلال الكتاب نفسه ، الّذي كان يقرأه الكاتب ، وهو كتاب نهج البلاغة ، بل ومن خلال النصّ الّذي جاء به أيضاً ..
قال الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام في تفسيره لكيفيّة الردّ إلىٰ الله والرسول الوارد في الآية الكريمة ـ « ٥٩ » من سورة النساء ـ : « الردّ إلىٰ الله أن نأخذ بمحكم كتابه (١) ، والردّ إلىٰ الرسول الأخذ بسُنّته الجامعة غير المفرّقة » (٢).
فإنّ الإنصات إلىٰ قول أمير المؤمنين عليهالسلام ـ كونه وليّ الأمر الواجب الطاعة في زمانه ـ في تفسيره لكيفيّة الردّ إلىٰ الله والرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم عند التنازع كان يحلّ أي مشكلة يمكن أن تحصل بين المسلمين في زمانه ،
__________________
الزوائد ٩ / ١٠٨ ؛ يرويه بلفظ : « مَن تولاّه فقد تولاّني » ، قال الهيثمي : رواه الطبراني بإسنادين أحسب فيهما جماعة ضعفاء ، وقد وثّقوا. انتهىٰ.
وانظر : ص ١٧٢.
(١) محكم الكتاب : نصّه الصريح.
(٢) سُنّة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم كلّها جامعة ، ولكن رويت عنه سُنن افترقت بها الآراء ؛ فإذا أخذت فخُذْ بما أُجمع عليه ، ممّا لا يختلف في نسبته إليه.
نهج البلاغة ـ تعليق الشيخ محمّد عبده ـ ٣ / ٩٤.