ومرادنا من هذا البيان أن لا يختلط علىٰ هذا الكاتب أو غيره أنّ الإمام عليهالسلام أراد بهذه الأقوال مدح جميع الصحابة ، مؤمنهم ومنافقهم ، فهذا ممّا لا يعقل صدوره عن مؤمن فضلاً عن أمير المؤمنين ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ.
وهذا الأمر الّذي ذكره الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام هنا عن صحابة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يشمل أصحابه أيضاً ، أي أنّ فيهم المؤمن وفيهم مَن هو دون ذلك ، بدليل خطابه هنا لجماعة من أصحابه ممّن ابتُلي بتخاذلهم وتقاعسهم عن الجهاد وهو في مقام مدحه لصحابة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم المخلصين وقوله لهم : « فما أرىٰ أحداً يشبههم منكم ... ».
قال عليهالسلام في مقام آخر خاطب به الصالحين من أصحابه : « أنتم الأنصارُ علىٰ الحقّ ، والإخوانُ في الدين ، والجُنَنُ يومَ البأس (١) ، والبطانةُ دون الناس (٢) ، بكم أضربُ المُدبِرَ ، وأرجو طاعةَ المُقبل » (٣).
فالإمام أمير المؤمنين عليهالسلام لم يبخس الناس أشياءهم ، وكان يعطي لكلّ ذي حقّ حقّه ، فالمؤمن عنده حقّه المدح والتقدير ، والمتخاذل عنده حقّه التعنيف والتحذير ، كما هو شأن القرآن الكريم في مدحه للمؤمنين وذمّه للمنافقين ; قال تعالىٰ : ( لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُم مِّنَ اللهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَٰئِكَ
__________________
(١) الجُنن ـ جمع جُنّة ـ : الوقاية. والبأس : الشدّة.
(٢) بطانة الرجل : خواصّه وأصحاب سرّه.
(٣) نهج البلاغة ـ تعليق الشيخ محمّد عبده ـ ١ / ٢٣١.