ولكن الذي يقوى عندي كونها من الإيقاع (*) (١) غاية الأمر اعتبار الرضا من المحتال أو منه ومن المحال عليه ، ومجرّد هذا لا يصيره عقداً ، وذلك لأنها نوع من وفاء الدَّين ، وإن كانت توجب انتقال الدَّين من ذمّته إلى ذمّة المحال عليه فهذا النقل والانتقال نوع من الوفاء. وهو لا يكون عقداً وإن احتاج إلى الرضا من الآخر ، كما في الوفاء بغير الجنس ، فإنه يعتبر فيه رضا الدّائن ومع ذلك إيقاع. ومن ذلك يظهر أنّ الضمان أيضاً من الإيقاع ، فإنه نوع من الوفاء. وعلى هذا فلا يعتبر فيهما شيء ممّا يعتبر في العقود اللّازمة ، ويتحقّقان بالكتابة ونحوها (٢).
______________________________________________________
(١) وفيه ما لا يخفى من فساد مبناه. فإنّ النقل من ذمّة إلى أُخرى ليس وفاءً للدَّين على الإطلاق ، وإنّما هو تبديل لمكان الدَّين وظرفه لا أكثر ، إذ المحيل ينقل ما في ذمّته للمحتال إلى ذمّة المحال عليه.
ومنه يظهر الحال فيما ذكره (قدس سره) من عدّ الوفاء بغير الجنس من الإيقاع فإنه فاسد قطعاً ، لرجوعه إلى تبديل المال الثابت في ذمّته بالمال الجديد ، والمعاوضة بين المالين ، وهو من العقود جزماً.
كما يظهر الحال في عدّه (قدس سره) للضمان والوكالة من الإيقاع أيضاً.
إذن فالصحيح في المقام هو ما ذهب إليه المشهور ، من كون الحوالة عقداً بين المحيل والمحتال ، لكونها تبديلاً لما في ذمّته للمحتال بماله في ذمّة المحال عليه.
(٢) إلّا أنّ تحققهما بها ونحوها لازم أعم لكونهما إيقاعاً ، فإنهما يصحّان بها حتى مع كونهما عقداً ، وذلك لتحقق إبراز الاعتبار النفساني بها.
بل يمكن الالتزام بصحّتهما بها مع عدم الموالاة أيضاً ، إذ لا دليل على اعتبارها ولا سيّما فيما هو متعارف خارجاً من الحوالة بالرسائل. فإنه لو كان التزام المحيل باقياً إلى
__________________
(*) بل الأقوى خلافه كما أنّ الأمر كذلك في الضمان والوكالة. نعم ، لا يبعد جواز الاكتفاء في جميعها بالكتابة وعدم اعتباره الموالاة بين الإيجاب والقبول.