بل يمكن دعوى أنّ الوكالة أيضاً كذلك (١) كما أنّ الجعالة كذلك وإن كان يعتبر فيها الرضا من الطرف الآخر. ألا ترى أنه فرق (*) (٢) بين أن يقول : أنت مأذون في بيع داري ، أو قال : أنت وكيل ، مع أنّ الأوّل من الإيقاع قطعاً.
______________________________________________________
حين وصول الرسالة إلى المحتال وقبوله الحوالة ، تحقق العقد وانضمام التزام إلى التزام لدى العرف والعقلاء وحكم بصحّته لا محالة.
إذن فلا يمكن جعل تحققهما بالكتابة ونحوها من آثار كونهما من الإيقاعات ، لما عرفته من كون ذلك لازماً أعم لكونهما من الإيقاعات وكونهما من العقود.
(١) إلّا أنها بعيدة غاية البعد. فإنّ الوكالة إعطاء سلطنة للغير وإقامته مقام نفسه ولا بدّ فيها من القبول ، ومن هنا فهي من العقود قطعاً.
(٢) بل الفرق بينهما ظاهر. فإنّ الإذن ترخيص محض ممن بيده الأمر في متعلقه من الأُمور التكوينية كالأكل ، أو الاعتبارية كالبيع. بخلاف الوكالة ، فإنها سلطنة اعتبارية يمنحها الموكّل إلى غيره ولا بدّ من قبوله ، كما ولا بدّ من تعلقها بالأُمور الاعتبارية ، إذ لا معنى للتوكيل في الأُمور التكوينية ، كالأكل والركوب وما شاكلهما.
نعم ، يستثني من ذلك القبض حيث يصحّ فيه التوكيل ، فيكون قبض الوكيل قبضاً للموكل. وقد تعرّضنا إليه في بعض المباحث السابقة أيضاً.
ثمّ إنّ الوكالة تفترق عن الإذن في جملة أُمور :
منها : ارتفاع الوكالة بفسخ الوكيل ، فإنها عقد جائز ويصحّ للوكيل فسخه ، فإذا فعل ذلك أصبح أجنبياً عن متعلّقها ، ويكون تصرفه فيه تصرفاً فضولياً لا يترتب عليه أثر بالنسبة إلى الموكل. بخلاف الإذن ، حيث إنه غير قابل للرفع من قبل المأذون ، لعدم توقفه على قبوله. ومن هنا فلو أذن له في شيء ورفض المأذون ذلك ثمّ بدا له القيام به كان له ذلك ، لكونه مأذوناً فيه بَعدُ ، لبقاء الإذن وعدم ارتفاعه بالرفض.
__________________
(*) الفرق ظاهر. فإنّ الإذن في بيع الدار مثلاً ليس ترخيصاً محضاً ، وأمّا الوكالة فهي إعطاء سلطنة على التصرف وله آثار خاصة لا تترتب على مجرد الترخيص.