أنّهم هم المحرّضون على قتله ، وموَّلهم جماعة من بني اُميّة ولم يكتفوا بذلك ، وإنّما غرّوا باُمّ المؤمنين عائشة ، وأركبوها على الجمل يقطعون بها الفيافي والقفار ، حتى نزلوا البصرة ، فقتلوا من شيعة علي ومحبّيه ما استطاعوا. فلمّا لاقوا عليّاً بجيوشهم أبوا إلا الحرب فدارت الدوائر على الناكثين ، فقتل رؤوس الفتنة ، واُرسلت اُمّ المؤمنين إلى المدينة بتكريم واحترام.
ولكن لم يقف الأمر على هذا الحد ، فقام ابن آكلة الأكباد ، الطليق ابن الطليق الذي خَذَلَ هثمان ، ولم ينصره ، ثم انتحل دمه وطلب ثأره ، فجمع حوله الهمج والرعاع ، وتحالف مع عمرو بن العاص الذي عزله عثمان عن ولاية مصر ، فألّب عليه كل راع رآه في البادية ، وساومه معاوية على ولاية مصر ، فقابلهم الامام في أرض صفين ، وقد كادت الحرب تنتهي لصالح الحق والمسلمين لو لا أنّهم رفعوا المصاحف على الرماح ، وانطلت الحيلة على عسكر الامام ، وقالوا : له أجب القوم ، فحذّرهم الامام بأنّه مكر وخداع ، والقوم ليسوا أهل قرآن وسنّة ، فطلب منهم المهلة فما أجابوه ، بل هدّدوا بإراقة دمه وقتاله إن لم يُوقف الحرب ، ولم يسترجع قائده من ساحة القتال ، حتى أنّ الأشتر قائد القوات طلب منهم المهلة ولو بقدر فواق ناقة أو عدوة فرس ، فما وافقوه ، فاضطرّ الامام إلى إيقاف الحرب ، وادلاء الأمر إلى الحكمين بشرط أن لا يخرجوا عن حكم الكتاب والسنّة ، وكانت نهاية الأمر ، عزل مندوب الامام ( أبو موسى الأشعري ) خليفة المسلمين ، ونصب عمرو ابن العاص معاوية للخلافة ، كل ذلك بمكر وخداع واحتيال على أبي موسى ، فقام الحكمان ومن حولهما يشتتمان ويتسابّان.
ثمّ اُولئك الذين فرضوا قبول التحكيم على علي ، ندموا على ذلك ، وطفقوا يطالبونه بنقض الميثاق قبل حكم الحكمين ، فخرجوا عن طاعة علي ، وعن جيشه ، فنزلوا حروراء ولم يرجعوا إلى الطاعة حتى بعد ما دعاهم الامام لاعادة الحرب على