العصمة قوة تمنع صاحبها من الوقوع في المعصية والخطأ ، حيث لا يترك واجباً ، ولا يفعل محرَّماً مع قدرته على الترك والفعل ، وإلا لم يستحق مدحاً ولا ثواباً ، وإن شئت قلت : إنّ المعصوم قد بلغ من التقوى حدّاً لا تتغلًّب عليه الشهوات والأهواء ، وبلغ من العلم في الشريعة وأحكامها مرتبةً لا يخطأ معها أبدا.
وليست العصمة شيئاً ابتدعتها الشيعة ، وإنّما دلَّهم عليها في حق العترة الطاهرة ، كتاب اللّه وسنّة رسوله. قال سبحانه : ( إنَّما يُريدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْشَ أهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (١) وليس المراد من الرجس إلا الرجس المعنوي وأظهره هو الفسق. وقال الرسول : « علي مع الحق والحق مع عليٍّ يدور معه كيفما دار » (٢) ومن دار معه الحق كيفما دار ، محال أن يعصي أو أن يخطأ ، وقول الرسول في حق العترة : « إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي ، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا أبدا » (٣) فاذا كانت العترة عدل القرآن تصبح معصومة كالكتاب ، لا يخالف أحدهما الآخر ، وليس القول بعصمة العترة بأعظم من القول بكون الصحابة كلّهم عدول.
وليس للقول بالعصمة في حق العترة منشأ سوى الكتاب والسنّة ، وسيوافيك بعض دلائلهم.
نعم شذَّ من قال انّ عقيدة العصمة تسرّبت إلى الشيعة من الفرس الذين نشأوا
__________________
١ ـ الأحزاب / ٣٣.
٢ ـ حديث مستفيض ، رواه الخطيب في تاريخه ١٤ / ٣٢١ والهيثمي في مجمعه ٧ / ٢٣٦ وغيرهما.
٣ ـ حديث متواتر أخرجه مسلم في صحيحه ، والدارمي في فضائل القرآن وأحمد في مسنده ٢ / ١١٤ وغيرهم.