قد درسنا كيفية انعقاد الامامة لأوّل الخلفاء ، هلمّ معي ندرس خلافة غيره ، فسوف ترى أنّه لم يكن هناك أيّ مشورة ولا أيّ استفتاء شعبي ، ولا أيّ ديمقراطية كما يدّعيها بعض الكتّاب المعاصرون.
روى المؤرّخون : انّه دعا أبوبكر عثمان بن عفان ، فقال : اكتب عهدي ، فكتب عثمان وأملى عليه : بسم اللّه الرحمن الرحيم ، هذا ما عهد به أبوبكر بن أبي قحافة آخر عهده بالدنيا ، نازحاً عنها ، وأوّل عهده بالآخرة داخلاً فيها ، إنّي أستخلف عليكم عمر بن الخطاب ... (١).
والانسان عندما يقرأ هذه الصفحة من التاريخ ، يقف على قيمة ما ذكره الامام ، عندما رفعوا السيف على رأسه ليبايع أبابكر ، فقال : « احلب يا عمر حلباً لك شطره ، اُشدد له اليوم أمره ، ليردّه عليك غداً ، ألا واللّه لا أقبل قولك ولا اُبايع » (٢) فو اللّه ، لقد تحقّق قول الامام حيث ردّ عليه الأمر من بعد ، كما عرفت.
وهذا عمر بن الخطّاب ، فبعد ما جرح ودنا أجله قال : سأستخلف النفر الذين توفّي رسول اللّه وهو عنهم راض ، فأرسل إليهم فجمعهم وهم : علي بن أبي طالب ، وعثمان بن عفّان ، وطلحة ، والزبير بن العوّام ، وسعد بن أبي وقّاص ، وعبد الرحمان بن عوف ، وكان طلحة غائباً.
فقال : يا معشر المهاجرين الأوّلين ، إنّي نظرت في أمر الناس فلم أجد فيهم شقاقاً ولا نفاقاً فإن يكن بعدي شقاق ونفاق فهو فيكم فتشاوروا ثلاثة أيّام ، فإن جاءكم طلحة إلى ذلك وإلا فأعزم عليكم أن لا تتفرّقوا من اليوم الثالث حتى
__________________
١ ـ الامام والسياسية لابن قتيبة ١٨ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٤٢٥.
٢ ـ الامامة والسياسة ٢٣ ، الكامل ٣ / ٣٥.