العلوم والفنون ليظهر أنّهم كانوا في الطليعة وكان لهم الدور الأساسي.
إنّ الحضارة الإسلامية تستمد من الكتاب والسنّة فكل من قدّم خدمة للقرآن لفظاً ومعنى ، صورة ومادة فقد شارك في بناء الحضارة الإسلامية ومثله السنّة وإليك البيان.
إنّ دراسة القرآن بين الاُمة ونشر مفاهيمه ، يتوقّف على معرفة العلوم التي تعد مفتاحاً له إذ لولا تلك العلوم لكانت الدراسة ممتنعة ، ونشرها في ربوع العالم غير ميسور ، جدّاً. بل لولا هذه العلوم ونضجها لحرم جميع المسلمين حتّى العرب منهم من الاستفادة من القرآن الكريم. لأنّ الفتوحات فرضت على المجتمع العربي الاختلاط مع بقية القوميات وسبَّب ذلك خطراً على بقاء اللغة العربية وكان العرب عند ظهور الإسلام يعربون كلامهم على النحو الذي في القرآن إلاّ من خالطهم من الموالي والمتعرّبين ، ولكن اللحن لم يكثر إلاّ بعد الفتوح وانتشار العرب في الآفاق فشاع اللحن في قراءة القرآن فمست الحاجة الشديدة إلى ضبط قواعد اللغة (١).
فقام أبو الأسود الدؤلي بوضع قواعد نحوية بأمر الامام أميرالمؤمنين عليهالسلام فأبو الأسود إمّا واضع علم النحو أو مدوّنه وكان من سادات التابعين ، صاحب عليّاً وشهد معه صفين. ثمّ أقام في البصرة. يقول الشيخ أبو الحسن سلامة الشامي النحوي : إنّ علياً دخل عليه أبو الأسود يوماً. قال : فرأيته مفكّراً ، فقلت له : مالي أراك مفكّراً يا أميرالمؤمنين؟ قال : إنّي سمعت من بعض الناس لحناً وقد هممت أن أضع كتاباً أجمع فيه كلام العرب. فقلت : إن فعلت ذلك أحييت
__________________
١ ـ جرجي زيدان : تاريخ آداب اللغة العربية ١ / ٢١٩.