إنّ أبرز ما كان يتمتّع به المسلمون في عصر الرسول هو صيانة الدين من الدسّ والتحريف وهو الخطر الذي تعرّضت له جميع المذاهب السالفة ، قال سبحانه : ( مِنَ الَّذِيَنَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الكَللِمَ عَن مَواضِعِه ) (١).
إنّ الاُمّة الإسلامية قد وصلت عند رحلة الرسول بفضل جهود صاحب الدعوة إلى درجة مرموقة من الوعي حفظت كتابها عن محاولات الزيادة والنقصان ، نرى أنّ الصحابي الجليل أُبي بن كعب له موقف عظيم من عثمان في كيفيّة كتابة آية الكنز أعني قوله : ( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِى سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذاب أَليم ) (٢) فإنّ عثمان اراد اثبات الآية في المصحف بلا واو فقال أُبي : « لتلحقنّها أو لأضعنّ سيفي على عاتقي » ، فألحقوها (٣).
ومع هذه المقدرة لم تستطع حفظ مفاهيمه وصيانة دينها عن الدس والتحريف فتفرّقت إلى مشبّهة ، تتخيّل أنّ لربّها أعضاءً كأعضاء الإنسان ، إلى جبري يرى الإنسان مسيّراً لامخيّراً ، ويصوّر بعث الأنبياء أمراً لاجدوى فيه ، إلى مرجئة لا ترى للعمل قيمة وتعطي للإيمان تمام القيمة ، إلى ناصبيّ ينصب العداء للعترة الطاهرة ، إلى إلى ... ، حتّى تفرّقت اُمّة النبي الأكرم كتفرّق الاُمم السالفة ، وهذا دليل واضح على أنّ الاُمّة الإسلامية ما بلغت يومذاك في الكفاءة والمقدرة العلمية إلى المستوى الذي يؤهّلها لحفظ الإسلام أصله ولبّه ، وقد مرّ في الجزء الأوّل من هذه الموسوعة أنّ الوضّاعين والدجّالين من الأحبار والرهبان ، والمغترّين بهم
__________________
١ ـ النساء / ٤٦.
٢ ـ التوبة / ٣٤.
٣ ـ الدر المنثور ٣ / ٢٣٢.