امتدّ سلطان الدولة الفاطمية من المحيط الأطلسي غرباً إلى البحر الأحمر شرقاً ونافست الدولة الفاطمية الشيعية ، خلافة الحكّام العباسيين في بغداد ، وكان المعز لدين اللّه أحد الخلفاء الفاطميين بمصر رجلا مثقّفاً ومولعاً بالعلوم والآداب وقد اتّخذ بفضل تدبير قائده العكسري القاهرة عاصمة للدولة الجديدة ، وبنى الجامع الأزهر ، وعقدت فيه حلقات الدرس ، وكان يركز على نشر المذهب الشيعي بين الناس وقد أمر أن يؤذّن في جميع المساجد بـ « حىّ على خير العمل » ومنع من لبس السواد شعار العباسيين.
إنّ المسلمين عامة وفي طليعتهم المصريين مدينون في ثقافتهم وازدهار علومهم وتقدّمهم في مجال العلم والصنعة للفاطميين وهممهم العالية ، فانّ الجامع الأزهر لا يزال مزدهراً من يوم بني إلى يومنا هذا كأعظم الجامعات العلمية (١) وهي كانت جامعة شيعية من بدء تأسيسها إلى قرنين.
وإن شئت أن تقف على صورة صغيرة من خدماتهم الجليلة فاقرأ ما كتبه السيد مير علي : « كان الفاطميون يشجّعون على العلم ، ويكرمون العلماء فشيّدوا الكليّات والمكاتب العامة ، ودار الحكمة ، وحملوا إليها مجموعات عظيمة من الكتب في سائر العلوم والفنون ، والآلات الرياضية ، لتكون رهن البحث والمراجعة ، وعيّنوا لها أشهر الأساتذة ، وكان التعليم فيها حرّاً على نفقة الدولة كما كان الطلاب يمنحون جميع الأدوات الكتابية مجّاناً ، وكان الخلفاء يعقدون المناظرات في شتى فروع العلم ، كالمنطق والرياضيات والفقه والطب ، وكان الأساتذة يتشحون بلباس خاص عرف بالخلعة ، أو العباءة الجامعية ـ كما هي الحال
__________________
١ ـ بروكلمان : تاريخ الشعوب الإسلامية ٢ / ١٠٨.