وقد استدلّت الامامية على وجوب نصب الامام على اللّه سبحانه : بأنّ وجود الامام الذي اختاره اللّه سبحانه ، مقرّب من الطاعات ، ومبعد عن المعاصي ، وقد أوضحوه في كتبهم الكلامية. والمراد من اللطف المقرب هنا ما عرفت من أنّ رحلة النبي الأكرم تترك فراغات هائلة بين الاُمّة في مجالي العقيدة والشريعة ، كما تتكر جدالاً ونزاعاً عنيفاً بين الاُمّة في تعيين الامام. فالواجب على اللّه سبحانه من باب اللطف هو سدّ هذه الفراغات بنصب من هو صنو النبي الأكرم في عمله بالعقيدة والشريعة ، وفي العدالة والعصمة ، والتدبير والحنكة ، وحسم مادة النزاع المشتعل برحلة الرسول ، ولمّ شعث الاُمّة ، وجمعهم على خط واحد.
والعجب انّ المعتزلة ممّن تقول : بوجوب اللطف والأصلح على اللّه سبحانه ، ولكنّهم لم يلتزموا بها في المقام ، مع العلم بأنّ المورد من جزئياته ، والذي منعهم عن الالتزام بالقاعدة في المقام بأنّهم لو قالوا بها في هذه المسألة لزمهم أن يقولوا بعدم صحة خلافة الخلفاء المتقدمين على عليّ ، لأنّ قاعدة اللطف تقتضي أن يكون الخليفة منصوصاً عليه من اللّه سبحانه.
ثمّ إنّك تعرّفت على أنّ الرسول الأكرم بوحي من اللّه سبحانه ، قام بتطبيق القاعدة ، ونصب إماماً للاُمّة ، ليقود أمرهم ويسد جميع الفراغات الحاصلة بلحوقه بالرفيق الأعلى ، وبذلك حسم مادة النزاع ، وقطع الطريق على المشاغبين ، ولكنّه ـ وللأسف ـ تناست الاُمّة وصية الرسول وأمره ، فانقسموا إلى طوائف وأحزاب ، وقامت بينهم المعارك والحروب التي اُريقت فيها الدماء ، واستبيحت الأعراض ، وتبدّلت المفاهيم ، واختلفت القيم ، ومازال ولم تزل معاناة الاُمّة من هذا الانشقاق ، وأصبح التقريب فضلاً عن الوحدة أمراً متعسّراً على المفكرين ، نسأل اللّه سبحانه أن يسد تلك الفجوة العميقة بايقاظ شعور علماء الاُمّة ومصلحيهم في المستقبل.