نعم اعترض « الجصاص » على هذا الاستدلال وقال : « إنّ الآية إنّما تشمل من كام مقيماً على الظلم وأمّا التائب منه فلا يتعلّق به الحكم ، لأنّ الحكم إذا كان معلّقاً على صفة ، وزالت تلك الصفة ، زال الحكم. ألاترى أنّ قوله : ( وَلا تَرْكَنُوا إلى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) (١) إنّما ينهى عن الركون إليهم ما أقاموا على الظلم ، فقوله تعالى : ( وَلا يَنال عَهدِى الظّالِمينَ ) لم ينف به العهد عمّن تاب عن ظلمه ، لأنّه في هذه الحاله لا يسمّى ظالماً ، كما لا يسمّى من تاب من الكفر كافراً » (٢).
يلاحظ عليه : أنّ قوله « الحكم يدور مدار وجود الموضوع » ليس ضابطاً كلياً ، بل الأحكام على قسمين ، قسم كذلك ، وآخر يكفي فيه اتّصاف الموضوع بالوصف والعنوان آناً ما ، ولحظة خاصة ، وإن انتفى بعد الاتّصاف ، فقوله : « الخمر حرام » ، أو : « في سائمة الغنم زكاة » من قبيل القسم الأوّل ، وأمّا قوله : « الزاني يحد » ، و« السارق يقطع » فالمراد منه انّ الإنسان المتلبّس بالزنا أو السرقة يكون محكوماً بهما وإن زال العنوان ، وتاب السارق والزاني ، ومثله : « المستطيع يجب عليه الحج » فالحكم ثابت ، وإن زالت عنه الاستطاعة عن تقصير لا عن قصور.
وعلى ذلك فالمدعى أنّ « الظالمين » في الآية المباركة كالسارق والسارقة والزاني والزانية والمستطيع واُمّهات نسائكم في الآيات الراجعة إليهم.
نعم المهم في المقام ، اثبات أنّ الموضوع في الآية من قبيل الثاني ، وأنّ التلبّس بالظلم ولو آناً ما ، يسلب عن الإنسان صلاحية الامامة ، وإن تاب من ذنبه ، فإنّ الناس بالنسبة إلى الظلم على أقسام أربعة :
١ ـ من كان طيلة عمره ظالماً.
__________________
١ ـ هود / ١١٣.
٢ ـ تفسير آيات الأحكام ١ / ٧٢.