حيث انّهم كانوا يتعاملون مع أئمّة أهل البيت بالقتل والسجن وكان ذلك يزيد في قلوب الناس حبّاً لأهل البيت وبغضا للخلفاء ، ولمّا شعر المأمون بذلك بدّل ذلك الاسلوب باسلوب آخر وهو استقدام أئمة أهل البيت من موطنهم إلى دار الخلافة لكي يشرف على حركاتهم وسكناتهم ، وقد استمرت هذه السياسة في حقّهم إلى الامام الحادي عشر كما ستعرف.
ولمّا جيئ بالامام الجواد إلى مركز الخلافة ، شغف به المأمون ، لما رأى من فضله مع صغر سنّه وبلوغه في العلم والحكمة والأدب وكمال العقل ما لم يساوه فيه أحد من مشايخ أهل الزمان ، فزوّجه ابنته اُم الفضل وحملها معه إلى المدينة وكان حريصاً على اكرامه وتعظيمه واجلال قدره ، ونكتفي في المقام بذكر أمرين :
١ ـ لمّا توفّي الامام الرضا عليهالسلام وقدم المأمون بغداد. اتّفق أنّ المأمون خرج يوماً يتصيّد فاجتاز بطرف البلدة وصبيان يلعبون ومحمّد الجواد واقف عندهم فلمّا أقبل المأمون فرّ الصبيان ووقف محمّد الجواد وعمره آنذاك تسع سنين. فلمّا قرب منه الخليفة فقال له : يا غلام ما منعك أن لا تفرّ كما فرّ أصحابك؟! فقال له محمّد الجواد مسرعا : يا أميرالمؤمنين فرّ أصحابي فرقا والظن بك حسن انّه لا يفر منك من لا ذنب له ، ولم يكن بالطريق ضيق فأنتحي. فأعجب المأمون كلامه. وحسن صورته قال : ما اسمك يا غلام؟ قال : محمّد بن علي الرضا عليهالسلام فترحّم على أبيه (١).
٢ ـ لمّا أراد المأمون تزويج ابنته اُم الفضل من الامام الجواد ثقل ذلك على العباسيين وقالوا له : ننشدك اللّه أن تقيم على هذا الأمر الذي عزمت عليه من تزويج ابن الرضا عليهالسلام فانّا نخاف أن يخرج به عنّا أمرا ، قد ملّكناه اللّه وينزع عنّا
__________________
١ ـ الفصول المهمة ٢٦٦.