الوحي الذي يوحى إليه (١) فيجب حفظ كلمه وأفعاله وتقريره. حتّى تصدر الاُمة عنها ويستغني المسلم عن المقاييس الظنّية والاستنباطات الذوقية.
وبالرغم من وضوح الأمر وانّه كان من واجب ووظيفة المسلمين الاهتمام بدراسة سنّة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وتدوينها. حالت الخلافة دون ذلك فأصبحت كتابة السنّة جريمة لا تغتفر حتّى انّ الخليفة الثاني قال لأبي ذرّ وعبداللّه بن مسعود وأبي الدرداء : « ما هذا الحديث الذي تفشون عن محمّد؟ » (٢).
ولقد أضحى عمل الخليفة سنّة فاتّبعه عثمان ومشى على خطاه معاوية ، فأصبح ترك كتابة الحديث سنّة إسلامية وعُدّت الكتابة شيئاً منكراً مخالفاً لها.
إنّ الرزيّة الكبرى هي المنع عن التحدّث بحديث رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم وكتابته وتدوينه ، وفسح المجال في نفس الوقت للرهبان والأحبار للتحدّث بما عندهم من صحيح وباطل ، ولقد أذن عمر لتميم الداري النصراني الذي استسلم في عام ٩ من الهجرة أن يقص (٣).
ولمّا تسنّم عمر بن عبدالعزيز منصب الخلافة ، أدرك ضرورة تدوين الحديث فكتب إلى أبي بكر بن حزم في المدينة ، أن يقوم بتدوين الحديث قائلا : إنّ العلم لا يهلك حتّى يكون سرّا (٤).
ومع ذلك فلم يقدر ابن حزم على القيام بما أمر به الخليفة. لأنّ رواسب الحظر
__________________
١ ـ اقتباس عن قوله سبحانه : ( ما ضَلَّ صاحبُكُم وما غوى * وما ينطقُ عن الهوى * إنْ هو إلاّ وحيٌ يُوحى ) ـ النجم / ٢ ـ ٤.
٢ ـ كنز العمال ١٠ / ٢٩٣ برقم ٢٩٤٧٩. وفيه : ما هذه الأحاديث التي قد أفشيتم عن رسول اللّه الآفاق؟
٣ ـ كنز العمال ١٠ / ٢٨١.
٤ ـ صحيح البخاري ١ / ٢٧.