وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ) (١).
وهو كما ترى صريح بأنّ المراد بالآيات كفّار جاءوا النبيّ فجادلوه وقذفوا كتابه المبين بأنّه من أساطير الأوّلين ، وهؤلاء الذين نهوا عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم وعن كتابه الكريم ، ونأوا وباعدوا عنه ، فأين هذه كلّها عن أبي طالب ، الذي لم يفعل كلّ ذلك طيلة حياته ، وكان إذا جاءه فلكلاءته والذبّ عنه بمثل قوله :
والله لن يصلوا إليك بجمعهم |
|
حتى أوسَّد في التراب دفينا |
وإن لهج بذكره نوّه برسالته عنه بمثل قوله :
ألم تعلموا أنّا وجدنا محمداً |
|
رسولاً كموسى خطّ في أوّل الكتب |
وإن قال عن كتابه هتف بقوله :
أو يؤمنوا بكتاب منزل عجب |
|
على نبيٍّ كموسى أو كذي النونِ |
وقد عرف ذلك المفسّرون فلم يقيموا للقول بنزولها في أبي طالب وزناً ، فمنهم من عزاه إلى القيل ، وجعل آخرون خلافه أظهر ، ورأى غير واحد خلافه أشبه ، وإليك جملة من نصوصهم :
قال الطبري في تفسيره (٢) (٧ / ١٠٩) : المراد المشركون المكذّبون بآيات الله ينهون الناس عن اتّباع محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم والقبول منه وينأون عنه ويتباعدون عنه. ثمّ رواه من الطرق التي أسلفناها عن ابن الحنفية وابن عباس والسدي وقتادة وأبي معاذ ، ثمّ ذكر قولاً آخر بأنّ المراد ينهون عن القرآن أن يسمع له ويعمل بما فيه ، وعدّ ممّن قال به قتادة ومجاهد وابن زيد ، ومرجع هذا إلى القول الأوّل ، ثمّ ذكر القول بنزولها في
__________________
(١) الأنعام : ٢٥ ، ٢٦.
(٢) جامع البيان : مج ٥ / ج ٧ / ١٧١ ـ ١٧٤.