الوقوع ، فهلاّ كان منه اقتصاص لأثر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فيما لم يزل دائباً عليه في أسفاره؟ فهلاّ اقتصّ أثره مع ذلك البيان الأوفى؟ ولم يكن على الأفواه أوكية (١) ، ولا على الآذان صمم ، وهل الواجب تعليم الجاهل؟ أو تغيير الحكم الثابت من جرّاء جهله؟
على أنّ الخليفة إن أراد أن ينقذ الهمج من الجهل بتشريع الصلاة أربعاً فقد ألقاهم في الجهل بحكم صلاة المسافر ، فكان تعليمه العملي إغراء بالجهل ، وواجب التعليم هو الاستمرار على ما ثبت في الشريعة مع البيان ، كما فعله رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في مكة كما مرّ ، وكان عمر إذا قدم مكة صلّى لهم ركعتين ثمّ يقول : يا أهل مكة أتمّوا صلاتكم فإنّا قوم سفر ، وروى البيهقي عن أبي بكر مثل ذلك. سنن البيهقي (٣ / ١٢٦ ، ١٥٧) ، المحلّى لابن حزم (٥ / ١٨) ، موطّأ مالك (٢) (١ / ١٢٦).
هذه حجج الخليفة التي أدلى بها يوم ضايقه عبد الرحمن بن عوف لكنّها عادت عنده مدحورة ، وقد أربكه عبد الرحمن بنقد ما جاء به فلم يبق عنده إلاَّ أن يقول : هذا رأي رأيته ، كما أنّ مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام لمّا دخل عليه وخصمه بحجاجه فقال : والله ما حدث أمر ولا قدم عهد. إلخ. وعجز الرجل عن جوابه فقال : رأي رأيته.
هذا منقطع معاذير عثمان في تبرير أُحدوثته فلم يبق له بعد ارتحاضه إلاّ قوله : رأي رأيته ، لكنّ للرجل من بعده أنصاراً اصطنعوا له أعذاراً أخرى هي أوهن من بيت العنكبوت ، ولم يهتد إليها نفس الخليفة حتى يُغبّر بها في وجه منتقديه ، ولكن كم ترك الأوّل للآخر ، منها :
١ ـ إنّ منى كانت قد بنيت وصارت قرية ، كثر فيها المساكن في عهده ولم يكن ذلك في عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، بل كانت فضاء ولهذا قيل له : يا رسول الله ألا تبني لك
__________________
(١) جمع وكاء وهو ما يشدّ به فم القربة.
(٢) موطّأ مالك : ١ / ٤٠٢ ح ٢٠٢.